يواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم ضعف الطلب المحلي وقطاع صناعي ينتج أكثر مما يريده المشترون. هذا ليس تقييم المحللين العاملين في البنوك الاستثمارية في العواصم النائية، بل الخطوط العريضة الصريحة التي قدمها رئيس الوزراء الصيني «لي تشيانج»، الذي توقع ي أن اقتصاد الصين سيحقق نمواً بنسبة «حوالي» 5% هذا العام.
وهذا هو نفس ما حدث في العام الماضي، عندما كانت الصين لا تزال تكافح من أجل الخروج من ثلاث سنوات من سياسات القضاء على فيروس كورونا، لكنه هدف يعتبره المحللون طموحاً دون إنفاق حكومي كبير لتعزيز الطلب الاستهلاكي.
وقال «لي» في افتتاح المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، البرلمان الصيني، في قاعة الشعب الكبرى في بكين: «إن أساس التعافي والنمو الاقتصادي المستدام في الصين ليس قوياً بالدرجة الكافية».
تحدد الاجتماعات السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني وأعلى هيئة استشارية سياسية في الصين، وهي الفعاليات المعروفة باسم «الدورتين»، أجندة السياسة للعام المقبل وتتم مراقبتها عن كثب بحثاً عن أي أدلة حول الكيفية التي قد يتصرف بها الحزب الشيوعي المعروف بالغموض.
وعلى الرغم من الاعتراف مراراً وتكراراً بالتحديات الاقتصادية، عرض «لي» خطة بكين المتواضعة نسبياً
للتغلب على التباطؤ دون ضخ مبالغ هائلة من الأموال الحكومية في الاقتصاد - وإعطاء الأولوية للأمن على النمو الفوري.
وأكد أن: «الاستقرار له أهمية عامة، لأنه أساس كل ما نقوم به»، ورئيس الوزراء هو المسؤول عن الإدارة اليومية للاقتصاد الصيني.
وفي أثناء تقديمه «تقرير عمل الحكومة» أمام ثلاثة آلاف من مندوبي الحزب الشيوعي، استخدم رئيس الوزراء «لي» كلمة «الأمن» 28 مرة في خطابه، أي ثلاث مرات أكثر من تلك التي استخدمها سلفه في العام الماضي.
لقد أصبح الأمن مصطلحاً شاملاً لنزع فتيل التهديدات التي تواجه صعود الصين وخاصة من الولايات المتحدة. ويتم استخدام هذا المصطلح للحديث عن الاستجابة لكل شيء بدءاً من مستويات ديون الحكومات المحلية غير الخاضعة للرقابة وحتى القيود التجارية الأميركية التي تستهدف التقنيات الحيوية مثل أشباه الموصلات. وفي معظم الحالات، يكون الحل هو المزيد من سيطرة الدولة والحد من النفوذ الخارجي.
وحث «لي» على تحقيق اختراقات في التقنيات الأساسية من خلال «الاستفادة الكاملة من النظام الجديد لتعبئة الموارد على الصعيد الوطني»، بما يتماشى مع أهداف السيطرة على الصناعات الرئيسية مثل السيارات الكهربائية والذكاء الاصطناعي والطاقة الهيدروجينية ورحلات الفضاء التجارية.
وإلى جانب تلك الضغوط المباشرة، تواجه بكين مشاكل تتراوح من ديون الحكومات المحلية، وتقلص عدد السكان، إلى احتمال تجدد التوترات مع الولايات المتحدة، حيث أصبحت الصين محور النقاش في الحملة الرئاسية.
وحتى الآن، تبدو القيادة الصينية مستعدة لمواجهة المشكلات، والخروج من الاضطرابات، والتركيز على الرهانات طويلة الأجل للسيطرة على تكنولوجيات المستقبل.
ويحاول النهج الذي يركز على الأمن نزع فتيل المخاطر الاقتصادية والمالية الأكثر خطورة مع التركيز على الإبداع المحلي في الصناعات الناشئة الرئيسية. وبالفعل، تفوقت شركة السيارات الكهربائية الصينية «بي واي دي» BYD على شركة «تيسلا» لتصبح أكبر صانع للسيارات الكهربائية في العالم.
وقالت «ديانا تشويليفا»، مؤسسة شركة «إينودو إيكونوميكس» الاستشارية، إن «شي» راهن قيادته على إعادة توجيه الاقتصاد الصيني حول أهداف الأمن القومي. وأضافت: «إنهم يحاولون تسهيل ما سيكون تعديلاً مؤلماً. لكن هذه الخطة مختلفة تماماً عما يريد المستثمرون الأجانب والدوليون سماعه».
ووعد «لي»، وهو رئيس الحزب السابق لمدينة الشركات في شنغهاي، ببيئة أفضل للأعمال التجارية، مع توفير المزيد من الفرص للشركات الدولية للمشاركة في المشتريات الحكومية، وألغى جميع القيود المفروضة على الاستثمار في قطاع التصنيع.
كما أعلن عن زيادة بنسبة 10% في تمويل العلوم والتكنولوجيا – ليبلغ 52 مليار دولار هذا العام – لتعزيز الأبحاث الأساسية التي تعتبر ذات أهمية وطنية.
وهناك أيضاً زيادة مقترحة بنسبة 7.2% في الإنفاق الدفاعي، ليصل إلى 231 مليار دولار. وتعد هذه أكبر قفزة منذ خمس سنوات ولكنها لا تزال بعيدة كل البعد عن فاتورة الإنفاق العسكري السنوية البالغة 886 مليار دولار التي وقعها الرئيس بايدن في ديسمبر.
ومع ذلك، لم يكن هناك مثل هذا الارتياح للأسر المتعثرة وقطاع العقارات المنكوب. ويقول بعض الاقتصاديين، إن هذا سيكون أسهل طريقة لتعزيز الاستهلاك ومنع الأسعار من الانخفاض.
وقال محللون، إن تحذير الحكومة للسلطات المحلية بضرورة «خفض الإنفاق» يشير إلى أنه سيكون هناك إنفاق إضافي محدود لمساعدة الشركات أو توسيع نطاق الرعاية الاجتماعية. وقال «دان وانج»، كبير الاقتصاديين في بنك «هانج سينج الصين» في شنغهاي: «إن دعم صناعات التكنولوجيا الفائقة لن يفعل الكثير للأسر. وأضاف: «يمكنهم فعل أمور كثيرة، لكنهم لا يستطيعون إجبار الناس على الابتهاج». يقول «تشن بينكاي»، عميد الاقتصاد في جامعة الصين المركزية: «جوهر الابتكار هو إنشاء وظيفة إنتاج جديدة، وهو ما يعني إدخال مجموعة جديدة من ظروف وعوامل الإنتاج في نظام الإنتاج لم تكن موجودة من قبل على الإطلاق».
كريستيان شيبرد
صحفي أميركي متخصص في الشؤون الصينية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»