بات واضحاً كمُّ الإنجازات التي حققها الاقتصاد الإماراتي خلال العام الماضي 2023 على الأصعدة كافة، سواء فيما يتعلق بإنجازات النمو القياسي وتنوُّع قدراته الإنتاجية وجاذبيته للاستثمارات الأجنبية، أو فيما يخص ازدهار مكانته وجهة رئيسية لرعاية وتنظيم الفعاليات والمؤتمرات الدولية التي كانت منصات رئيسية لاستعراض التقدم وتطوير فرص التعاون واستشراف آفاق الاقتصاد العالمي.

وإلى جانب النجاحات المتعددة التي حققها اقتصاد دولة الإمارات، يظل للإنجاز التجاري غير النفطي الذي تحقق بسواعد وطنية مكانته الخاصة في سجل إنجازات العام المنصرم، لما يتركه من آثار وما يدفع إليه من طموح.

فمع إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وصول قيمة التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات لمستوى تاريخي بلغ 3.5 تريليون درهم (نحو 953 مليار دولار) خلال عام 2023، فقد بات من المسلّم به أن أداء التجارة الخارجية للإمارات أصبح من أهم مقومات التنويع والنمو الاقتصادي المستدام.

وما يدعو للاعتزاز بهذا الإنجاز الاقتصادي، أن هذه الطفرة في التجارة الخارجية غير النفطية لم تكن من حيث القيمة فحسب، بل امتدت إلى ما تخلقه من قيم مضافة ومردود تنموي، وتنوعت وانتشرت من حيث الجغرافيا والشراكات التجارية، كما ازدادت موثوقيةً من حيث علاقة الوصول لأسواق متعددة ومتنوعة على مستوى العالم، إلى جانب ذلك، اتسمت التجارة الخارجية الإماراتية، خلال العام الماضي، بأنها تعمل على احتواء الآثار الضارة بيئياً. على مستوى التوسع الكمّي، تجدر الإشارة إلى أن النمو السنوي للتجارة الخارجية غير النفطية بلغ مستوى تاريخياً نسبته 59% خلال عام 2023 مقارنة بعام 2022. ولعل هذه المؤشرات تعكس مدى القبول الدولي المتنامي للصادرات غير النفطية لدولة الإمارات، وتُثبت مدى الجدارة التي تحوزها السوق الإماراتية أمام صادرات العالم.

ازدهار التجارة غير النفطية للعام الماضي 2023 ساهم في تعزيز الأداء لمؤشرات اقتصادية أخرى، لكون التجارة الخارجية قاطرة اقتصادية تحرك غيرها من القطاعات ذات العلاقة، فالنمو القياسي لحركة الصادرات والواردات الإماراتية، وخاصةً صادرات السلع والخدمات، قد عزز معدلات التشغيل وزاد الطلب على العمالة في القطاعات غير النفطية، الأمر الذي أدى إلى تخفيض معدل البطالة لمستوى قياسي جديد ما دون 3% من القوى العاملة. كما ترسخت دعائم التنويع الاقتصادي نتيجة لازدهار التجارة الخارجية غير النفطية، ووصل نمو القيم المضافة والناتج غير النفطي إلى نحو 5.9% خلال عام 2023.

أما على صعيد جغرافيا التجارة الخارجية الإماراتية، فقد شهد العام الماضي اتساع خريطة الشركاء على مستوى العالم، وأصبحت الإمارات في قلب حركة التجارة العالمية، وتواصلت تجارة وعلاقات الدولة التجارية مع التكتلات والاقتصادات الرائدة عالمياً، حيث كشفت بيانات التجارة، خلال عام 2023، عن أن الاقتصاد الوطني عمَّق شراكته مع أهم 10 شركاء تجاريين، حيث نمت تجارته معها بنسبة 26%، ووصل هذا النمو مع الاقتصاد التركي إلى أكثر من 103%، ومع اقتصاد هونغ كونغ الصينية إلى 47%، ومع اقتصاد الولايات المتحدة إلى 20%. وبينما يقدم الاقتصاد الإماراتي نفسه كشريك تجاري موثوق دولياً، كما أكدت بيانات تجارته الخارجية، فإنه في الوقت نفسه يعزز مسؤوليته تجاه البيئة عالمياً، بإتاحة التمويل الضروري المناخي للتجارة قليلة الانبعاثات من الصندوق المناخي الذي تم الإعلان عن تأسيسه خلال العام الماضي، وليستمر اقتصاداً للأفعال لا للأقوال، على حد تعبير صاحب السمو نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.