البرتغال تجذب «حركة اللاجئين» الأميركيين!
تكمن أسباب انتقال «ألفريدا تشاندلر» هنا في منزلها الجديد، بمنطقة أرييرو في لشبونة، فلا يزال متنزه الشقق والمطاعم المشمس، يعتبر جزءاً أصيلاً في هذه المدينة العالمية. ويوجد مقابل المبنى الوردي الذي تقطنه كشك فواكه مظلل برواق حجري. ويوجد بالجوار مقهى يقدم المعجنات الشهية.
وعلى بُعد مبنى واحد توجد محطة للانتقال نحو وسط المدينة. لكن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للسيدة تشاندلر من هذا التحضر الأوروبي الخلاب هو أنها تتحدث في أرييرو مع عدد أكبر بكثير من الجيران؛ مما كانت تفعله في أي وقت مضى في ضواحي ولاية إنديانا. تقول: «الجميع يعرفون بعضهم البعض هنا. وهذا يختلف عن العيش بمفردك في منزل كبير وكأنك تعيش في عزلة».
على مدى السنوات القليلة الماضية، تصدرت البرتغال قائمة «الوجهات الساخنة» للمواطنين الأميركيين الذين يتطلعون إلى الانتقال نحو الخارج، سواء للتقاعد أو للعمل عن بُعد من المنزل، أو لمجرد تغيير نمط الحياة. وعلى الرغم من أن الأميركيين لا يشكلون سوى نسبة صغيرة من الأجانب الذين يعيشون في هذا البلد، فإن العدد ارتفع إلى حوالي 10 آلاف مواطن أميركي في عام 2022، بزيادة 239% عن عام 2017، وفقاً للبيانات الحكومية. وغالباً ما تركز التفسيرات الشائعة لهذه الزيادة على انخفاض تكاليف المعيشة في البرتغال، إلى جانب الطقس المعتدل، والتأشيرات الممنوحة للمستفيدين، وانخفاض معدل الجريمة.
لكن بالنسبة للسيدة تشاندلر وغيرها من الأميركيين الذين يعيشون في هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة، فإن الانجذاب إلى البرتغال يكون أعمق.وقد أجرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» لقاءات مع أميركيين يعيشون في جميع أنحاء لشبونة خلال العام الماضي، بالإضافة إلى عدد قليل من المهتمين بالانتقال إلى البرتغال. وبشكل متكرر، كانت المحادثات تتركز على أريحية المجتمع، وجاذبية الثقافة التي تركز بشكل أقل على الاستهلاك و«الإنتاجية»، والمزيد من التحرر من ضغوط العنصرية والعنف المسلح والانقسامات السياسية السامة.
وقد ركز بعض المعلقين على هذه النقاط الأخيرة، واصفين العددَ المتزايد من الأميركيين الذين يعيشون في الخارج، وفي أوروبا بصفة خاصة، بـ «حركة اللاجئين». وتساءلت صحيفة «ديلي ميل» في مقال عن المغتربين الأميركيين: «هل مات الحلم الأميركي؟». وقالت مجلة «الإيكونوميست» إن «عدد الذين يَسعون للهروب من العنف والصراع السياسي في الولايات المتحدة صغير، ولكنه في تزايد». غير أنه في اللقاءات التي جرت في هذه المدينة، كان عدد قليل من الأميركيين على استعداد للقول بأن بلدهم الجديد أفضل من وطنهم. والأمر مختلف تماماً، ليس فقط فيما يتعلق ببعض الاحتياجات الأعمق داخل النفس الأميركية، بل وأيضاً فيما يتصل ببناء حياة طيبة للمرء أينما يعيش.
وبالنسبة لبريتاني ويلسون، فإن الفرق بين مسقط رأسها في لوس أنجلوس ومدينتها الجديدة يَظهر بشكل واضح في أثناء المشي عبر حي برينسيبي ريال القديم والعصري في لشبونة، فهذا الأخير يتميز بالشوارع المتعرجة والأرصفة المرصوفة بالحصى والكثير من المتاجر القديمة، إلى جانب النوافير والحدائق والرجال المسنين الذين يلعبون الورق، لكن ويلسون تقول إنها نادراً ما تشعر بالرغبة في التسوق هنا.
وتضيف: «ليس لدي الدافع لشراء أي شيء»، أما في الولايات المتحدة، فقد كانت باستمرار تطلب من أمازون. لذا، فهي تستمتع بالتنزه حقاً. لا توجد مهمات، ولا قائمة مهام، ولا عد للخطوات. إنها تمشي فقط للاستمتاع بالتجول في حيها، والأسطح المصنوعة من الطين المحروق (التيراكوتا)، والسماء الوردية التي تبرز من بين تلال المدينة. انتقلت ويلسون إلى البرتغال في عام 2021. وكانت تبحث عن مكان للعيش فيه خارج الولايات المتحدة، ويرجع ذلك في جزء منه إلى إعادتها النظر في الحياة العالمية التي عاشتها عندما كانت طالبة جامعية تدرس في الخارج، وفي جزء آخر إلى التوتر السياسي المثير للانقسام في الداخل أكثر مما يجب. وفي البرتغال، وجدت إحساساً بالانتماء إلى المجتمع وإيقاعاً أبطأ للحياة، وهو ما تدرك الآن أنه أمر أساسي لرفاهيتها. وهي، مثل السيدة تشاندلر، تعرف الكثير من جيرانها. لقد وجدت نفسَها تشارك في المزيد من المناسبات المجتمعية.
حتى إنها أخذت دروساً في التمثيل، وهو أمر لم تكن لتفعله أبداً، وذلك بالنظر إلى ازدحام جدول عملها في الولايات المتحدة. وقد أجرت اتصالات مع كل من المقيمين البرتغاليين وشبكة نابضة بالحياة من الأميركيين في لشبونة، وانضمت إلى مجموعات فيسبوك تعقد لقاءات في جميع أنحاء المدينة.
أما «هيذر كورتني»، وهي من قدامى المحاربين في البحرية الأميركية، فهي في إدارة واحدة من هذه المجموعات. وتقول إنها وجدت لشبونة مدينة أكثر تكاملاً وأكثر ترحيباً من أماكن كثيرة عاشت فيها داخل الولايات المتحدة. وتضم مجموعة «السود في البرتغال» أعضاء من 25 دولة، بما في ذلك المستعمرات البرتغالية السابقة مثل موزمبيق وأنجولا.
تقول كورتني: «هناك عنصرية في كل بلد في العالم، لكن عندما أسير في الشارع هنا، أشعر وكأنني أنتمي إلى هذا المكان». وتضيف أنها تشعر بالارتياح؛ لأنها لم تعد تشعر بالقلق بشأن سلامة ابنتها البالغة من العمر 16 عاماً في المدرسة. ويقول «جو كانون»، وهو أميركي يعيش الآن في لشبونة مع زوجته البرتغالية وطفلهما، إن العديد من الطلاب الذين يعمل معهم كمستشار في أكاديمية الجيل الشجاع الدولية يتشاركون في هذا الشعور بالارتياح.
ويوضح: «الكثير من الطلاب يقولون إنهم يشعرون بأن الولايات المتحدة غير آمنة»، حتى إن البعض تَعرضوا لعمليات إطلاق نار جماعية. وعلى الرغم مِن أن بعض المقالات الإخبارية أشارت بإصبع الاتهام إلى المقيمين الجدد لكونهم السبب في ارتفاع الإيجارات وأسعار المساكن في لشبونة، إلا أن معظم الأشخاص الذين التقى بهم «كانون»، وهو جزء من عائلة برتغالية، لا يزال لديهم موقف ترحيبي تجاه القادمين الجدد. وثمة جوانب من الحياة هنا لم يكن من الممكن أن يتخيلها مطلقاً عندما كان يعيش في لوس أنجلوس، بدءاً من سهولة المشي في لشبونة وحتى ثقافتها التي يأتي فيها الكفاح والعمل في المرتبة الثانية بعد العمل الجماعي والتقاليد.
ستيفاني هانز*
*صحفية تكتب عن البيئة والتغير المناخي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»