مستقبل الطاقة نظيف. هذا ليس مجرد حلم، ولا أمنية، ولا مجرد أمل عابر. إنّها ضرورة حتميّة. فمن خلال التنسيق والتعاون الدَوليّين، والالتزامات والتعهّدات على مستوى العالم، وعبر توفير الاستثمارات المناسبة، بإمكان الطاقة النظيفة أن تتحوّل إلى قوة متدفقة قادرة على عكس مسار التغير المناخي.
ومؤتمر الأطراف (كوب28) الذي استضافته دولة الإمارات العربية المتحدة سجل التزامات وتعهّدات واضحة قطعها المجتمع الدَوليّ، لجهة التحوّل عن الوقود الأحفوري، واللجوء إلى كلّ من الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة بلغة حاسمة وملزمة. ونحن نخطو بثقة نحو الطاقة النظيفة، ونحو الوُصول إلى الحياد المناخي في المستقبل، مع استمرار الجهود للحفاظ على ارتفاع حرارة الكوكب عند 1.5 درجة مئويّة.
واليوم صارت مسألة الوصول إلى مستقبل الطاقة النظيفة محور الاهتمام والتركيز، في الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم الدولي الأوّل للطاقة النظيفة، إلى جانب الأمم المتحدة ودولة الإمارات.
وقد تولّت دولة الإمارات العربية المتحدة على مدى أكثر من عقدين قيادة أجندة الطاقة النظيفة والمتجددة في منطقة الشرق الأوسط والعالم. وكانت من المناصرين والواثقين بالإمكانات الواعدة للموارد الطبيعية للأرض كحلول للطاقة العالمية، وعمدت إلى الاستثمار، ولا تزال، بوتيرة كثيفة في كلّ من المؤسسات والمواهب والتقنيات التي لعبت دوراً مُسرّعاً لقدرات ولإمكانات أنظمة الطاقة المتجددة على المُستويات المحليّة والإقليميّة والدوليّة.
كما سخّرت دولة الإمارات إمكاناتها، إلى جانب كل من بنما والوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، بهدف تحويل اليوم العالمي للطاقة النظيفة إلى واقع.
ويؤكد الاحتفال بهذا اليوم- (26 يناير) من قبل المجتمع الدولي بأكمله- أهمية الدور الذي تواصل دولة الإمارات القيام به على صعيدي التحفيز وتوحيد الجهود، من أجل تسريع تحقيق الالتزامات والتعهّدات الجَماعية الرامية إلى تحقيق مستقبل مستدام خالٍ من الانبعاثات.
لقد وضعنا نصب أعيننا أهدافاً واعدة ومواعيد نهائية طموحة لا يمكننا إلا تنفيذها وتحقيقها. وبدعم من أبحاث الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، وضعت تعهّدات مؤتمر الأطراف (كوب28) بشأن الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة للمجتمع العالمي أمام هدف يتمثل في رفع قدرة إنتاج الطاقة المتجددة عالمياً بمقدار ثلاثة أضعاف، بواقع أكثر من 11 ألف جيجاوات، بحلول عام 2030. ويُمثّل هذا السقف ما نحتاجه لضمان تعديل المسار الحالي وتصحيحه، لخفض ارتفاع درجة الحرارة من 2.6 درجة مئوية حالياً إلى 1.5 درجة مئوية.
وبموازاة عملنا على تسريع عملية التحوّل في مجال الطاقة، وجهودنا لبناء قدرات الطاقة النظيفة والمتجددة، من الواجب أيضاً أن نعترف بحقيقة أساسية ومفصليّة حيث لم تعد مسألة الوصول إلى الطاقة النظيفة ترفاً، بل أصبحت حقاً أساسياً ومفصلياً من حقوق الإنسان، بحسب ما يؤكّده هدف التنمية المستدامة السابع للأمم المتحدة.
والحاجة لتوفير الطاقة النظيفة للجميع ليست مبالغة. فالطاقة النظيفة تُمثّل ركناً أساسياً لتحقيق مستقبل مستدام، كونها تسد الفجوات والفروقات على مستوى التنمية، وكونها تتيح أيضاً فرصاً لا تُقدّر بثمن على مستوى كل من التنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة والبشريّة. وهناك ثلاثة أسباب إضافية تجعل العالم يركز بشكل متزايد على التحول إلى الطاقة النظيفة.
أولاً، تمثّل الطاقة النظيفة أو المتجددة البدائل الأفضل لنظام الطاقة الحالي، من حيث أنها صديقة للبيئة وذات جدوى اقتصادية. فهذه الطاقة تؤدّي دوراً فائق الأهمية في الحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة التي تُعتبر المسبّب الرئيس للاحتباس الحراري.
كذلك، يمكن للطاقة والكهرباء المتجدّدتَين أن تخفضا انبعاثات الكربون الناتجة عن استخدام الطاقة بنسبة تصل إلى 75%، وهو أمر ضروري لاتباع مسار الحد من الاحترار إلى مستويات أقل من 1.5 درجة مئوية. في المقابل، ووفقاً لآخر الأبحاث والدراسات، فإن تعزيز القدرات في مجال الطاقة المتجددة بمقدار ثلاثة أضعاف المستويات الحالية بحلول نهاية العقد الحالي من شأنه أن يتجنب نحو سبعة مليارات طن من الانبعاثات الكربونية بين عامَي 2023 و2030.
إن اعتماد مصادر الطاقة النظيفة لا ينتج عنه هواء أنظف فحسب، بل يضمن أيضاً بيئة أكثر صحة واستخداماً أكثر استدامة للموارد. وفي دول مجلس التعاون الخليجي، يمكن للطاقة الشمسية الكهروضوئية أن تكون الخيار الأكثر فعالية من حيث التكلفة، مع تحقيق التزام المنطقة بالممارسات المُستدامة. وفي ظل ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تُعتبر مصادر الطاقة المتجددة اليوم من أشكال الطاقة الأقل تكلفة.
ثانياً، إن الطاقة النظيفة هي من الركائز الأساسية للتنمية المستدامة. فهي تضمن تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في مختلف الاقتصادات، وتبرز أهميتها بشكلٍ خاص في المناطق الأقل نمواً، مثل مخيمات اللاجئين والتجمعات غير النظامية المحيطة بالمدن، والمجتمعات الريفية والنائية. ومن هنا يأتي التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بتوفير 80% من الطاقة المتجددة في عمليات حفظ السلام بحلول عام 2030 كتأكيد على الالتزام بتحقيق التنمية المستدامة.
وثالثاً فإن التحول إلى اعتماد مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة يوفّر الكثير من فرص العمل. ووفقاً لتقرير «الطاقة المتجددة والوظائف» الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، يمكن أن يرتفع عدد العاملين في قطاع الطاقة عالميّاً إلى 139 مليون وظيفة بحلول عام 2030، من بينها جزء كبير ضمن قطاع الطاقة النظيفة. لذا فإن هذا التحوّل لا يقتصر على تغيير سبل تزويد عالمنا بالطاقة فحسب، بل ينعكس أيضاً تحوّلاً اقتصاديّاً مجدياً.
إلا أن تحقيق هذه الرؤية يتطلب تعاوناً دولياً وشراكات استراتيجية بين القطاعَين العام والخاص، إضافةً إلى زيادة التمويل المخصص لمشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة، وهو أمر ضروري أيضاً. وقد أنشأت دولة الإمارات صندوق «ألتيرّا» بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، وتمّ الإعلان عنه في مؤتمر الأطراف«كوب28»، تأكيداً منها على التزامها بهذه القضية.
إن عناصر تحقيق مستقبلنا المُستدام الذي يعتمد على الطاقة النظيفة والمتجددة، من ظروف مؤاتية، وحلول لازمة، وإصرار والتزام، باتت متوافرة: هذه العناصر يمكنها تنقية الهواء، وتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة، وتوفير إمكانية وصول مليارات من الناس إلى الطاقة، وضمان مستقبل آمن من حيث تأمين الموارد.
ولنا الآن أن نستفيد من هذه اللحظة بإرادة مشتركة تتوحّد حولها الدول، وأن ندعو في اليوم الدولي الأول للطاقة النظيفة لتسريع الخطوات نحو التحوّل في مجال الطاقة، فيما نسعى إلى تحقيق مستقبل مُستدام، نمهّد له وندعمه بتعزيز البنية التحتية للطاقة النظيفة.
* المندوب الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»