دور رائد للإمارات في قيادة الحراك المعرفي عربياً
فيما يُجسِّد دور دولة الإمارات في تشجيع العقول العربية، والسعي نحو احتضان أكبر حراك علمي عربي، جاء إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يوم الاثنين الماضي، عن إطلاق مركز بحثي ومعرفي دائم ضمن متحف المستقبل، لدعم المسيرة العلمية لنوابغ العرب بشكل دائم، وذلك خلال حفل تكريم الفائزين بجائزة «نوابغ العرب».
وفي الواقع، فإن الهدف من إطلاق دولة الإمارات، خلال السنوات الأخيرة، العديد من المبادرات التي تستهدف استقطاب المفكرين والعلماء، خاصة من جيل الشباب، هو استعادة أمجاد العرب في التقدُّم العلمي والفكري وقيادة الحراك النهضوي الذي يجمع بين الأصالة والحداثة.
وليس هناك أدلّ على اهتمام الإمارات بأصحاب الكفاءات المتميزة من إطلاق مبادرة «نوابغ العرب»، التي تهدف إلى تحديد أهم النوابغ العرب ورعايتهم وتطوير أفكارهم، بالتعاون مع أفضل الشركاء العالميين، لتعظيم أثرهم الإيجابي في المنطقة.
وقد استطاعت دولة الإمارات خلال فترة وجيزة أن تقطع خطوات كبيرة في مجال دعم الإنتاج العلمي والمعرفي في العالم العربي، حتى باتت حاضنة للعلماء والباحثين العرب، ومركزاً لتكريمهم، والاحتفاء بعطاءاتهم الفكرية لخدمة البشرية. وثمة مؤشران مهمان، يجب التوقُّف عندهما فيما يخص حفل تكريم الفائزين بجائزة «نوابغ العرب»، والجائزة نفسها، وهما:
- اختيار إقامة الحفل في «متحف المستقبل» بدبي، وهو اختيار ذو مغزى مهم، كون اسمه يحمل دلالة قوية تنسجم مع هدف التكريم، وتتمثل في حقيقة أن «العلم هو السبيل الوحيد نحو بناء مستقبل أفضل»، وهو ما عبَّر عنه قول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إن «الأمة التي تُقدر علماءها ونوابغها ومفكريها وتُمكن صناع الحضارة فيها، في طريقها الصحيح للسيادة والريادة والتفوق في المستقبل».
- الإقبال الواسع على تقديم الترشيحات الفردية والمؤسسية للجائزة من مختلف أنحاء العالم العربي والعالم لعقول عربية استثنائية، وهو ما يعكس وجود تعطُّش لجائزة عربية الهوية عالمية المستوى، تُضاهي الجوائز العالمية التي تكّرم المبدعين مثل جائزة «نوبل». وتؤكد الفروع الخاصة بمبادرة جائزة «نوابغ العرب»، والتي تشمل الطب والهندسة والأدب والعلوم الطبيعية والعمارة والتصميم والاقتصاد، أنه قد تم التركيز على دعم المجالات العلمية الأكثر حيوية، والتي تمثل قيمة نوعية ومُضافة.
وهنا تمكن الإشارة على نحو خاص إلى علماء الفيزياء والرياضيات، إذ يمثلون الأساس الذي تقوم عليه صناعات المستقبل، وفي مقدمتها تلك المرتبطة بالتكنولوجيا المتقدمة وعلوم الفضاء، كما أن قطاع البرمجيات وعلوم البيانات يُشكل المحرك الرئيسي للتنمية المستقبلية في شتى المجالات. وهنا لابد من الإشارة إلى أن المبادرة تستهدف تمكين ودعم أهم 1000 نابغة عربي خلال السنوات الخمس المُقبلة في مجالات الفيزياء والرياضيات، والبرمجيات وعلوم البيانات، والاقتصاد، والجامعات والأبحاث العلمية.
ولعله من المهم في هذا السياق التأكيد على أن مبادرة «نوابغ العرب»، هي جزء مكمل لسلسلة طويلة من المشاريع الفكرية والمبادرات التي تعكس النهج الطموح الذي تتبنَّاه دولة الإمارات لمواكبة كل التطورات العلمية ودعم الإنتاج المعرفي في العالم العربي، لتأسيس نهضة شاملة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، مبادرة «مليون مبرمج عربي» التي أتاحت الفرصة لأكثر من مليون عربي من 80 دولة حول العالم تعلم البرمجة، ومشروع «تحدي الترجمة» الذي يهدف إلى توفير محتوى تعليمي شامل في مجالَي العلوم والرياضيات، باعتبارهما من أهم روافد التطور الحضاري.
مما لا شك فيه أن مبادرة «نوابغ العرب» تُعد مصدر إلهام حقيقياً كفيلاً باستنهاض عزم وطموحات الأجيال الجديدة، والحد من ظاهرة هجرة الكفاءات العربية، كونها اعترافاً بإنجازاتهم وإسهاماتهم العلمية، ومن المؤكد أن الاستثمار في المُبدعين وأصحاب المواهب الفذَّة وتهيئة المناخ المناسب لهم، سيُغيِّر النظرة القاتمة بأن دور العرب في العلوم والبحوث اقتصر على الزمن الغابر وتوقف عند نقطة معينة، وهو ما تُراهن عليه دولة الإمارات في ظل ما يملكه العالم العربي من مقومات وموارد تُتيح له إمكانية العودة من جديد لمواصلة أمجاد الحضارة العربية.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.