في رثاء الأمير الراحل نواف الأحمد الصباح
في 16 ديسمبر 2023، فُجع العالم برحيل المغفور له بإذن الله الشيخ نواف الأحمد الصباح أمير الكويت. وقامت قيادات دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي ودول العالم أجمع بنعيه إلى شعوبها، فإنا لله وإنا إليه راجعون. الأمير الراحل لم يكن شخصاً عادياً في مسار تاريخ الكويت الحديث، حيث اتصف بحكمته وحبه للخير في كل خطوة يخطوها أو عمل يقدم عليه، وقام بأدوار مؤثرة في خدمة الكويت منذ مرحلة ما قبل استكمالها لمظاهر استقلالها وسيادتها.
الشيخ نواف كان حاضراً في الشأن العام الكويتي منذ مرحلة استكمال الاستقلال في 19 يونيو 1961، مروراً بنهضتها المباركة ومسيرتها في دروب التنمية الشاملة، وانتهاءً بتوليه مقاليد الحكم أميراً لدولة الكويت إلى يوم وفاته.
أمير الكويت الراحل كان حاضراً ومؤثراً في كل شأن من شؤون الدولة والمجتمع، فإن الأشقاء في الكويت يكفيهم فخراً بأن أميرهم الراحل، رحمه الله، عرف عنه في جميع الأوساط بأنه كان أمير التواضع والإنسانية.
منذ أن تولى زمام القيادة في 29 سبتمبر 2020 سار على دروب أسلافه من حكام الكويت الكرام السابقين على نهج قويم محوره القرب من أبناء الشعب والتعامل معهم على أنهم أهل بيته وهو رب الأسرة المسؤول عنهم جميعاً، همهم همه وفرحهم فرحه، مؤدياً بذلك دوراً فاعلاً في توفير العيش الكريم للجميع، بالإضافة إلى تحقيق الأمن والاستقرار والسلام للكويت وأهلها. وهذه حقائق يجمع أهل الكويت على تأكيدها وسيظلون يتذكرونها من خلال ما تركه لهم الأمير الراحل من تراث شخصي غني وخصب سواء بالأقوال أو بالأفعال. إن ذلك يتضح في توحيد كلمتهم على الحق وإجماعهم على الخير والبذل والعطاء في خدمة الكويت.
وعلى المستويين الخليجي والعربي كان دور الأمير نواف، رحمه الله، وسطياً يقف من الجميع على مسافة واحدة، خاصة عندما تطفو إلى السطح المسائل الخلافية التي تحتاج وسيطاً يُقرب بين الآراء ووجهات النظر ويزيل أسباب الشقاق والفرقة.
على المستوى الخليجي بالذات هذه الحكمة الوسطية في التقريب بين الأشقاء الخليجيين هي جزء متأصل من سياسة دولة الكويت الخارجية تجاه أشقائها جبل عليها أمراء الكويت منذ نشأتها، لكن الأمير الراحل نواف جسدها بروح عصرية وزادها قوة وصلابة بعدما تبوأ مقاليد الحكم. وبالنسبة للإمارات العلاقة بينها وبين الكويت ضاربة الجذور منذ زمن بعيد بدأ في الفترة من تاريخ الخليج العربي كانت فيها الكويت ترتبط بما كان يسمى وقتها بإمارات الساحل المتصالح بروابط أخوية متينة قائمة على رابطة الدم واللغة والدين الإسلامي الحنيف الموحد للأمة جمعاء والتاريخ الخليجي - العربي الإنساني الضارب في جذور الزمن وتجسيداً لكل ذلك عمل الأمير الراحل على توثيق تلك الروابط سياسياً واقتصادياً وثقافياً بين دولة الكويت ودولة الإمارات استكمالاً لمسيرة طويلة بدأها أسلافه منذ بداية خمسينيات القرن العشرين في عهد المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح. في تلك الفترة شرعت الكويت في بناء صروح العلم وإرسال المعلمين وبناء المدارس والمستشفيات التي قامت حكومة الكويت بالإنفاق عليها.
وفي نفس الوقت استقبلت أرض الكويت العديد من أبناء الإمارات للعمل فيها أو للدراسة في مدارسها في مختلف المراحل ما قبل الجامعة، ثم في جامعة الكويت التي افتتحت لاحقاً وتخرج منها العديد من القيادات والكوادر التي تحملت المسؤولية الإدارية والمهنية عند بداية قيام الدولة الاتحادية.
وبمقاييس ذلك الزمان، رصدت حكومة الكويت ميزانيات سخية لدعم المشاريع التعليمية والصحية والاجتماعية والخدمية التي دشنتها دعماً لأبناء الإمارات، وقد كان لتلك الخطوات الأخوية المباركة دورها الإيجابي الذي دعم جهود قيادات الإمارات للنهضة بالبلاد وساعد المواطنين على الصمود في بدايات الحركة التنموية التي كانت بوادرها تلوح في الأفق رغم شح الموارد والمداخيل. برحيل الشيخ نواف، فقدت الأمتان العربية والإسلامية قائداً بارزاً وشخصية فذة، وفقدت الشعوب الخليجية قائداً فذاً من قادتها، فلندعو جميعاً له بالرحمة والمغفرة وأن يسكنه البارئ عز وجل الفردوس الأعلى من جنات الخلد، ولنعزي أهلنا في الكويت على هذا المصاب الجلل ولندعو لهم بالصبر والسلوان، أسرة حاكم كريمة وشعب له مكانة خاصة في النفوس.
*كاتب إماراتي