ما هي قواعد الحرب؟ السؤال الذي تستطيع الإجابة عليه كل دول العالم ومنظماته، وفي الوقت نفسه هو السؤال الذي توجد له إجابات مختارة ومختلفة وفقاً للموقف والزمان والمكان ومن هم أطراف الصراع، وبالرغم من أن القانون الدولي الإنساني قديم بقدم الحروب، وهو الغطاء الذي كان من المفترض أن يكفل الحد الأدنى على أقل تقدير من القواعد للحفاظ على الإنسانية في بعض أسوأ المواقف التي عرفتها البشرية. ولكن في غزة والضفة الغربية وفي الأراضي التي تقع تحت إدارة الجانب الفلسطيني وحتى المساحات غير المأهولة منها بالسكان - والتي حسب البعض - ملاذ أمن بعيد عن القصف والقتل، ولكنها لم تسلم من القصف والاستهداف الذي كان بمثابة السقوط الحر لتحضّر الإنسان المعاصر وبربرية الحداثة والعصرنة، والتي تخفي في طيات تفاصيلها تحوّل الإنسان إلى آلة لا تعبأ بمعاناة الذي يصنّف كإنسان بدائي وأقل إنسانية من غيره وفق معايير: ماذا تملك؟ وعلى ماذا سنحصل منك في المقابل؟ ولماذا أنت لا تستحق أن تملك؟ وهي المعطيات التي انهارت من خلالها مكانة القوانين والتشريعات الدولية التي تكفل حقوق الإنسان في السلم والحرب، ولم تعد بالتالي تلك المنظومة الدولية ذات أي قيمة إنسانية تذكر!
ما حدث وما يحدث في الأراضي الفلسطينية يعد اختباراً حقيقياً لمفهوم حقوق وكرامة الإنسان، ومعنى الحضارة والتحضّر في ظروف عالمية تفضي إلى المزيد من العنف والمزيد من الحروب، وما الجدوى من المناداة بوقف الحرب ووقف قتل الأبرياء، وجنون مبدأ الانتقام الجماعي الشمولي مستمر بلا توقف، وأحداث لم يعد مقبولاً أمامها إخفاء فشل المجتمع الدولي في عدم اتخاذ موقف أخلاقي أمام ما يحدث في غزة من إبادة جماعية وتهجير قسري للسكان، وخاصةً إذا ما علمنا أن 70% من سكان غزة هم من الفلسطينيين الذين هجّروا قسراً عام 1948 من المناطق المعروفة الآن بدولة إسرائيل، ويبقى السؤال: إلى متى سيظلون لاجئين ؟ وإلى إين؟
المليارات من البشر في كل أنحاء العالم أصبحوا فلسطينيّ الهوى والهوية في مشاعرهم وإن اختلفت اللغات والعادات والتقاليد والأديان، إلّا أن القلوب والعقول توحدت على أن المبادئ الأساسية للحضارة الإنسانية ذهبت أدراج الرياح من جهة، ومن جهة أخرى بدأت ملامح ومؤشرات القطيعة الأبدية بين عالمين وموت حلم السلام والتعايش السلمي إلى ما لا رجعة، وهي الأزمة الأكبر التي ستخرج من عباءة أحداث غزة لخلق أزمات أكبر وأشمل.
هل سيقبل الضمير العالمي أن يكون تجويع المدنيين أسلوباً من أساليب الحرب في قطاع غزة؟ وهي جريمة حرب وفق المواثيق الدولية وخاصةً عندما يدلي المسؤولون بتصريحات علنية أعربوا فيها عن هدفهم المتمثل في حرمان المدنيين في غزة من الغذاء والماء والوقود، ومهاجمة الأهداف الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، وماذا عن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن تجويع المدنيين عمداً من خلال «حرمانهم من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك تعمد إعاقة إمدادات الإغاثة» يعد جريمة حرب! إذاً من يتعمد خلق ظروف عودة العنف والجماعات المتطرّفة بقوة على الساحة في المنطقة، وتجييش الشباب المسلم وتوجيهه نحو هاوية فتاوى الساحة الإلكترونية! وهل هو فخ نُصب للمنطقة ككل أو مجرد حسابات خاطئة؟!
التفوق في موازين ميادين المعارك والهزيمة الأخلاقية في العقول والقلوب هي خسارة في المحصلة النهائية. وخلق شعور المظلومية الطاغية أمر يتخطى حواجز الجغرافيا، فهو انتصار سلّم على طبق من ذهب لبعض الأطراف، كما يجب على المرء أن يعالج المشكلة الإسرائيلية - الفلسطينية أو المشكلة الإسرائيلية – العربية، ليس فقط في سياق ما يحدث في الجانبين بل في حقيقة عواقب ما سيجره ذلك على جميع الأطراف التي هي في قلب الصراع، وإنْ كانت تبعد عن نقطة الصفر بآلاف الكيلومترات.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات