للمصالح لغة إذا اختلفت أحدثت ضجةً وصحبها صخبٌ يسمع دويه القاصي والداني. المصالح وحدها تمسك بخناق العالم بلا استثناء، لذا تم إسقاط القيم والمبادئ الأخلاقية من وسط عِقْدِها. 
وتمت الاستعاضة في السياسة بـ «الميكيافيلية»، أي «الغاية تبرر الوسيلة»، وفي التجارة بـ «ميزان الربح والخسارة»، أما في العلاقات الدولية فليست هناك صداقة مستدامة ولا عداوة ممتدة، ولا خصومة دائمة، وإنما مصالح مستمرة. عندما تفوح من السياسة رائحة الأخلاق الطيبة، فهي تعرَّف هكذا: «السياسة هي صلاح الموجودات، وعلى الحاكم أن يتحلى بحسن المناقب والخصال، وخير مناقب الإنسان العقل، وأفضل خصاله العدل، وخاصية العقل صحة التمييز ومعرفة الحقائق، والسيرة العادلة وحسن الاختيار». 
والواقع أن بعض المعاني الجديدة للسياسة إنما تنطبق على العالم الغربي بشكل خاص، وذلك لاختلاف منظومة القيم التي تحكم السلوك في أروقة حياة المجتمعات. أما الوضع في العالم العربي والإسلامي، فلا أقول بأنه مليء بشحنات المبادئ والمُثل، ولكنه خليط من هذا وذاك. وهو واقع يحكم على مدى قربهم وبعدهم عن الإسلام وقيمه وشرائعه. 
والإشكالية هنا أنه عندما تسعى بعض الدول في العالمين العربي والإسلامي لتقليد نهج الغرب في إدارة شؤونها وعلاقاتها البينية، فقد تقع في قلب الصراع مع ذاتها، خاصة إذا لم تستطع ترويج قيمها للآخر المختلف. 
لقد أدركتُ ذلك على نحو أكثر وضوحاً خلال فترة وجودي في بريطانيا حيث كنت أسافر نحو كثير من الدول الأوروبية، وقد تعرَّفتُ على قيمها المؤسسية وليست الفردية، وذلك من خلال التعامل مع الجامعات والسفارات والبنوك وبقية أوجه الحياة اليومية لهذه الدول.
والواقع أن القيم والمبادئ في عالمنا المعاصر عموماً قيمٌ ومبادئ فردية، وقد لا تعبّر لوائح وقوانين المؤسسات عن ذلك الأمر بدقة، بل قد يحدث التعسف والإذعان أثناء التطبيق إلى درجة قد يبدو فيها الأمرُ مخالفاً لروح القواعد والمبادئ. 
بعدما عمّت المصلحة وحلت محل القيم الإنسانية، طغت التناقضات على سلوك الدول وأخذت الازدواجية تطل برأسها، أما الأفراد فقد تُرِكوا لممارسة ما يحلو لهم وفقاً لمبدأ «الحرية» غير المسؤولة. وهنا ضاعت «المسؤولية المجتمعية» وتاهت في صحراء الفوضى التي يراد لها التحكم في سير المجتمعات. 

وكذلك الأمر بالنسبة للمصلحة الخالية من القيم الرفيعة، إذ يكون خيطها أرفع من خيط العنكبوت، تترنح يمنة ويسرة طوال الوقت، وقد يحدث فجأة أن ينقطع هذا الخيط الدقيق من دون معرفة السبب، وأحياناً يكون السؤال عن ذلك أمراً محرجاً وصعباً. 
وفي بعض الأحيان تنقلب المصالح رأساً على عقب بين الدول، بل من اليمين إلى اليسار، والانتقال من دولة صديقة إلى دولة كانت تعشعش في خانة العداء والخصومة لعقود، لكن سرعان ما تحل المودة (المصالح) مكان الجفوة الصلبة. 
هذا الأمر مفهوم على مستوى الدول والحكومات التي حيدت منظومة القيم عن طريق تحقيق مصالحها الوطنية. أما على مستوى الشعوب والأفراد، فإن معظمهم يريدون سماع صوت القيم والأخلاق الراقية لأن صداها يخترق مصالح الدول، أما المصلحة المجردة من أي قيمة مضافة فصوتها خافت ولا يُسمع إلا همساً في وسائل الإعلام التقليدية بالخصوص.

*كاتب إماراتي