جاء مرسوم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بإنشاء «جهاز الإمارات للمحاسبة» ليؤكد مجدداً أن الجهود الحثيثة لدولة الإمارات هدفها تطوير بيئة الأعمال الوطنية، لا لتكون أكثر تحفيزاً لقوى النمو الاقتصادي المحلي فحسب، بل لتصبح أكثر كفاءة وفاعلية في تخصيص المال العام وحمايته من الهدر أيضاً، مع إكساب قواعد الشفافية والمساءلة والنزاهة دفعة قوية في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني.
ولعل تأكيد المرسوم المنشئ لـ «جهاز الإمارات للمحاسبة» على تبعيته المباشرة لصاحب السمو رئيس الدولة يكشف عن الأهمية الفائقة لهذا الجهاز ولأدواره ونفوذه وإمكاناته المستقبلية، سواء لتعزيز الرقابة على المال العام ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى أشكاله، أو لضبط الأداء الحكومي ومتابعة الأنشطة المالية والتشغيلية بصورة دورية منتظمة. وانطلاقاً من هذه الأهمية، من المتوقع بقوة أن تتحسن مكانة بيئة الأعمال وترتقي في مؤشرات النزاهة والشفافية التي يرصدها ويتابعها عدد من المؤسسات الدولية المعنية، بما في ذلك مؤشر مدركات الفساد الذي يصدر عن «منظمة الشفافية الدولية»، ذلك المؤشر الذي أكّد في أحدث تقاريره ريادة الإمارات إقليمياً، وحلولها في المرتبة 27 عالمياً من بين 180 دولة رصدها المؤشر عام 2022.
وفي الوقت الذي يشكل فيه الفساد المالي عبئاً ضاغطاً على كاهل أي اقتصاد يعاني من تفشي هذه الظاهرة، فإن لاقتصادنا الوطني باعاً طويلاً وإمكانات متطورة في الرقابة على المال العام لمنع انتشار تلك الظاهرة، ما يعني تجذر الشفافية والنزاهة في بيئة الأعمال الوطنية، وما يثبت محدودية أعباء وتكاليف الفساد في هذه البيئة المتميزة. ورغم أن ذلك سيعزز مهمة الجهاز الرقابي الجديد في أداء مهامه الموكلة إليه، لكن هدف دولة الإمارات الخاص بالوصول إلى صدارة دول العالم في النزاهة، ومساعيها لأن تكون ضمن قائمة الدول العشرة الأعلى شفافية في العالم، يلقيان بأعباء ضخمة على عاتق «جهاز الإمارات للمحاسبة»، وهو ما يتطلب منه بذل الكثير من الجهود، لكي يحقق المهام الموكولة له. 
وتتمثل أولى هذه المهام في تطوير استراتيجية وطنية للنزاهة ومكافحة الفساد المالي والإداري، لمواكبة التطورات العالمية المتسارعة في هذا الصدد، إذ من المنتظر أن تقع هذه الاستراتيجية، وما ينبثق عنها من سياسات وبرامج، على رأس أولويات الجهاز التشغيلية. 
ولما كانت كفاءة رأس المال البشري وخبراته وإمكاناته في عمليات الرقابة المالية والإدارية تلعب دوراً رئيسياً في إنجاح الأدوار الأساسية للجهاز في بيئة الأعمال الإماراتية، فإن استقطاب الخبرات والكفاءات الوطنية التي يحتاجها ستمثل واحدة من أبرز مهامه في الفترة المقبلة. 
وفي ذات السياق، من المؤكد أن بناء منظومة رقمية متطورة لعمليات المتابعة والرقابة يحتاج لاستخدام وتوطين أحدث التكنولوجيات والتطبيقات المستخدمة في ذلك. وجدير بالذكر أن البيئة الرقمية والتكنولوجية الإماراتية تمتلك مثل هذه المنظومة، ولديها قدرات كامنة يمكن توظيفها بكفاءة في عمليات المتابعة والمساءلة والرقابة.
وبينما الآمال معقودة على نجاح «جهاز الإمارات للمحاسبة» في القيام بأدواره في بيئة الأعمال الوطنية، لما تمتلكه هذه البيئة من المقومات البشرية والتكنولوجية الضرورية لذلك، فإن المردود المباشر لهذا النجاح سيتجلى في ثلاثة أمور، أولها وأهمها هو سد كافة المنافذ أمام الفساد وإساءة استخدام السلطة والنفوذ في النشاط الاقتصادي. وثانيها زيادة جاذبية بيئة الأعمال الوطنية للاستثمارات الأجنبية المباشرة الباحثة عن كفاءة ومرونة السياسات الاقتصادية ونزاهتها. أما ثالث هذه الأمور، فهو ترسيخ دولة الإمارات نفسها كنموذج عالمي يحتذى به في الرشادة الاقتصادية وفي مكافحة الفساد بكافة صوره وأنماطه. 

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية