توجت الإمارات عام الاستدامة في أجندتها الوطنية بنجاح له أبعاده على تحسن المناخ العالمي، من خلال القرار التاريخي الذي اتخذ في ختام مؤتمر الأطراف «كوب 28»، حيث أقر ممثلو ما يقارب 200 دولة، إضافةً إلى الاتحاد الأوروبي، التخلي عن الوقود الأحفوري تدريجياً، إضافة إلى إطلاق صندوق معالجة الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، وجمع 792 مليون دولار من التعهّدات المبكرة للصندوق، والخروج بحزمة نتائج وقرارات سوف تحرك جهود حماية المناخ، في نجاح يحسب للإمارات التي أسهمت من خلال استضافتها ورئاستها للمؤتمر، ورعاية مفاوضاته في تحديد الأولويات التي على العالم أن ينجزها، ويدعم تنفيذها ليضمن تحقيق نقلة حقيقية على طريق حماية مناخ الكوكب.
وكانت أصداء البيان الختامي للمؤتمر بارزة على مستوى الإعلام والمواقف الدولية التي أشادت بـ «اتفاق الإمارات» وإدارتها الحكيمة لحوارات المؤتمر، وصولاً إلى اتخاذ القرار الشجاع بإنهاء الاعتماد على الوقود التقليدي على مراحل، في خطوة ستدعم بالتأكيد حسب الخبراء خفض مستوى الاحتباس الحراري.
وما ناقشه المؤتمر في منتدياته وجلساته لم يكن غريباً على الساحة الإماراتية السباقة إلى طرح محاور حماية البيئة والمناخ في مختلف المنتديات التي تستضيفها أو تشارك فيها، حيث إن التحول إلى الطاقة المتجددة على رأس استراتيجيات التنمية المستدامة في الإمارات، ومنذ أول أيام المؤتمر مهدت الدولة للمشاركين في عدة جلسات بطرح أهمية التحول إلى الطاقة المتجددة، وهو ما قاد إلى اتخاذ القرار في ختام المؤتمر بالإجماع، انطلاقاً من الحاجة العالمية إلى زيادة التكيف مع آثار تغير المناخ.
وبذلك نجحت الإمارات في تحويل المؤتمر إلى محطة استراتيجية، وفرصة جديدة للحكومات والمنظمات المعنية بتغير المناخ، لتناقش هذا التحدي العالمي بروح مختلفة عنوانها الشعور الجماعي بالمسؤولية الدولية، وأهمية اليقظة المستمرة إلى تحديات وقضايا المناخ وعدم الانتظار إلى المناسبات الموسمية، والعمل على إبقاء هذا الملف مفتوحاً وقيد التداول، من أجل إحداث فارق قابل للقياس، كما مثّل المؤتمر فرصة للمجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية التي شاركت في النقاشات، وأصبحت معنية منذ الآن وفي المستقبل بمتابعة الالتزام الكامل بتنفيذ الدول لتعهداتها بشأن خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتعميق دراسة التأثيرات السلبية لتغير المناخ.
وسوف يسجل العالم أن الإمارات احتضنت دورة المؤتمر التي نجحت في تقييم التقدم الذي أنجزته الدول المعنية بشأن تحقيق الأهداف المناخية العالمية، وتحديد الفرص والتحديات أمام العمل المناخي، وتعزيز جهود استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة كأفضل حل يمكن أن يسهم بشكل مباشر في الحد من الانبعاثات الكربونية، وتحقيق التنمية المستدامة.
كما عكس مكان انعقاد المؤتمر في مدينة إكسبو دبي الرسالة القوية التي تبعثها الإمارات، وتؤكد من خلالها التبني العملي للاستدامة، فتصميم إكسبو مطابق لمعايير الاستدامة، ويعتمد على الطاقة المتجددة بنسبة 100%، وينتهج إعادة تدوير النفايات واستخدام مواد صديقة للبيئة في البناء، فكانت مدينة إكسبو شاهداً على الحدث، ومجسدةً بالأداء الحي على أرض الواقع للاستدامة كمفهوم وممارسة، حيث استوعبت إطلاق سلسلة من الفعاليات في مجال الأمن المناخي، واستقبلت عشرات الآلاف من المشاركين في المؤتمر ومن زواره، كما استوعبت المَعارض والمنتديات وعروض الأداء، وأتاحت لفئة الشباب أنشطة خاصة أسهموا من خلالها في فعاليات المؤتمر، إلى جانب الأنشطة التي عكست حقيقة أن إكسبو مدينة مستقبلية مستدامة وصديقة للبيئة. وقد ثبت بالدليل أن بناء المدينة لم يكن عبثاً، وأن مرافقها التي استضافت «إكسبو دبي 2020»، كانت مصممة لاستضافة مختلف الأحداث والمؤتمرات والمعارض، ما يؤكد أن الاستدامة نهج يتم تبنيه في الخطط التي تضع في الاعتبار تفعيل الاستدامة على المدى البعيد.
*كاتب إماراتي