مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب 28»، الذي ستستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة في المدة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر المقبلَين، يعكف العالم على تقييم التزاماته تجاه التحديات البيئية والمناخية. وفي هذا السياق تبرز دولة الإمارات نموذجًا يُحتذى به في تطبيق مفاهيم الاستدامة، ويَظهر ذلك جليًّا في تطبيقها حلولًا عملية وواقعية لتنويع مصادر الطاقة المستدامة. وبالرغم من اعتماد دولة الإمارات اقتصاديًّا على النفط والغاز، فإن استراتيجيتها المناخية تُظهر التزاماً لا هوادة فيه بالمسؤولية البيئية عن طريق إطلاق مشروعات ومبادرات رائدة تهدف إلى زيادة استخدام الطاقة النظيفة، وتقليل الانبعاثات الكربونية. وتستخدم الدولة مزيجاً مبتكراً في إنتاج الطاقة الكهربائية، بما يحقق الاكتفاء منها اعتماداً على مصادر نظيفة ومتجددة. ويمثل إنتاج الطاقة عن طريق الغاز الطبيعي المصدر الرئيسي للطاقة في دولة الإمارات، وهو الأعلى كفاءةً بيئيةً من بين المصادر التقليدية، وتضيف إليه الدولة مشروعات أكثر استدامةً مثل الطاقة النووية المتمثلة في محطات براكة، والطاقة الشمسية، ومنها محطة نور أبوظبي للطاقة الشمسية، ومجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، وأعلنت الدولة أخيراً استخدام الطاقة الرياحية في مبادرة رائدة على مستوى الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن هذه الإنجازات مثيرة للإعجاب وحدها، فإنها تحمل آثاراً إيجابية كبيرة في إدارة الطوارئ والأزمات أيضاً. ويعزز الانتقال إلى مصادر الطاقة المتنوعة والمستدامة مرونة في مواجهة مختلف أنواع الأزمات، بدءاً بالكوارث الطبيعية، ومروراً بانقطاعات سلاسل التوريد، ووصولًا إلى تلك الأزمات التي هي من صنع البشر. وعلى سبيل المثال يجعل الاعتماد على شكل واحد من مصادر الطاقة الدول عرضةً للتأثر بالنزاعات الجيوسياسية، ولكنَّ توافر بنية تحتية متنوعة لإنتاج الطاقة يمثل بديلًا لا يُقدَّر بثمن. وتضمن مصادر الطاقة المستدامة عدم تأثر الخدمات الحيوية وقت الأزمات، ما يسهم في تقليل الأثر والتعافي الأسرع على المدى الطويل.
وجدير بالذكر أن دولة الإمارات تتبنى نهجاً شاملًا ومتعدد الأوجه في مجال التنمية المستدامة والحماية البيئية، يتجاوز الحدود المحلية، ليشمل إسهامات فعَّالة في الجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي، ودعم مشروعات الطاقة المتجددة عالميّاً. ويتضمن هذا النهج حراكاً للتوعية بأهمية تنويع مصادر الطاقة، والاعتماد على التكنولوجيا المستدامة، إضافةً إلى تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتعزيز الابتكار والمشاركة في أفضل الممارسات. وعلى هذا النحو تثبت دولة الإمارات جدارتها في عالم يواجه تحديات بيئية واجتماعية متزايدة، وتبرز قائداً مؤثراً وداعماً قويّاً في السعي نحو التنمية المستدامة وإدارة الأزمات على الصعيد العالمي، ما يعزز القدرة في هذا المجال، ويوفر حلولًا طويلة الأمد تعود بالنفع على المنطقة والعالم على حد سواء.
وعندما تستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف، ستُفتَح أمامها أبواب فرص لا حصر لها تسلط فيها الضوء على المبادرات الرائدة في مجال الاستدامة. وسيكون لهذا الحدث العالمي دور كبير في تعزيز مكانة دولة الإمارات بصفتها أحد الأعضاء الفاعلين والمبدعين على الصعيد العالمي، وسيوفر لها منصة استثنائية لاستعراض استراتيجياتها المتقدمة في تطبيق مفاهيم الاستدامة، ولا سيَّما في المشروعات ذات الصلة بتنويع مصادر الطاقة.
ولا تقتصر رؤية دولة الإمارات على تحقيق التزاماتها البيئية فحسب، بل تهدف إلى بناء نظام استراتيجي متكامل يسهم في تعزيز قدرات الدولة على الصمود، والمرونة في مواجهة تحديات التغير المناخي أيضًا، وبذلك تثبت أن استراتيجيات الاستدامة تمثل عنصراً أساسيّاً في الإطار الشامل للأمن الوطني، والاستقرارين الاقتصادي والاجتماعي.
وختاماً يمكن القول إن دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل نموذجاً عالميّاً ملهماً يُحتذى به في تطبيق مفاهيم الاستدامة الشاملة، وهي بذلك تسطر -فعلًا- خريطة طريق عملية وقيمة يمكن للدول الأخرى أن ترتكز عليها في تصميم استراتيجياتها لمواجهة الأزمات البيئية المستقبلية.
*مدير عام مركز إدارة الطوارئ والأزمات والكوارث لإمارة أبوظبي بالإنابة.