أفادت وزارة التجارة الأميركية، الأسبوع الماضي، أن الاقتصاد القومي توسع بمعدل سنوي يقارب 5% خلال الربع الأخير. إذن، فالنمو الاقتصادي قوي، والبطالة منخفضة، والتضخم آخذ في الانخفاض. ومع ذلك، لا يزال الناس غير راضين عن الاقتصاد. وتُظهِر أحدث أرقام مؤسسة جالوب أن 20% فقط من الأميركيين يعتبرون الاقتصاد ممتازاً أو جيداً، بينما يعتبره 48% ضعيفاً.
وقد حاول الناس تفسير هذا الانفصال الواضح، مفترضين أن السبب هو «الروايات» الإعلامية المضللة حول الاقتصاد، أو الحزبية بين الناخبين «الجمهوريين» أو الغضب» أو رغبة الجمهور في رؤية الأسعار تنخفض بالفعل.
قد تكون الحقيقة أبسط، وهي أن الأجور لم تواكب الأسعار. إذ انخفض متوسط الأجور بالقيمة الحقيقية، بعد تعديله بما يتناسب مع التضخم، منذ تولى الرئيس جو بايدن منصبَه. وهي أقل بنحو 3% من الذروة التي بلغتها في أبريل 2020.
ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع الأجور الحقيقية في وقت مبكر من الوباء لسبب سيئ، وهو أن العمال ذوي الأجور المنخفضة فقدوا وظائفَهم. لكن حتى عند مقارنة الأجور اليوم مع اتجاه ما قبل الوباء، فإنها لا تزال أقل بنحو 2% مما كان يتوقعه الناس. وهذا ما أظهره رسم بياني تم إنشاؤه باستخدام المعطيات الإحصائية التي قدمها زميلي مايكل سترين، من معهد المشاريع الأميركية. وإذا كان هذا هو ما يؤثر سلباً على التصورات العامة عن الاقتصاد، فهناك أدلة وافية على ذلك. فقد كانت معدلات البطالة والتضخم منخفضة في عامي 2005 و2006، وتساءل أنصار الرئيس جورج دبليو بوش: لماذا يَعتبر قِلةٌ من الأميركيين أن الاقتصاد جيد أو ممتاز؟ ومع ذلك، ظلت الأجور الحقيقية راكدة. وحدث شيء مماثل في عهد الرئيس باراك أوباما، فخلال معظم فترة رئاسته كان التضخم منخفضاً، ونما الاقتصاد، وانخفضت البطالة. لكن الأجور كانت راكدةً طوال معظم الفترة التي قضاها في منصبه، وكان تقييم الناس للاقتصاد سيئاً.
خلال السنوات الثلاثين الماضية، كانت هناك فترتان فقط وجدت فيهما مؤسسة جالوب أن معظم الأميركيين يَعتبرون الاقتصاد جيداً: الفترة الأولى من أواخر عام 1997 حتى أوائل عام 2001، والثانية من منتصف عام 2018 حتى مارس 2020. وفي حين كانت البطالة في انخفاض وكان التضخم منخفضاً في كلا العصرين، فإن هذا لا يميزهما عن الأوقات الأخرى التي كان فيها الجمهور غير راضٍ عن الاقتصاد. وما جعل تينك الفترتين توصفان بأنهما فترتان سعيدتان هو أن الأجور الحقيقية كانت ترتفع بصورة كبيرة.
ويشير هذا النمط بقوة إلى أن الأميركيين لن يعتبروا أن أداءَ الاقتصاد جيد ما لم ترتفع رواتبهم بسرعة أكبر من الفواتير التي يتعين عليهم سدادها. وعلاوة على ذلك، تترك البياناتُ بعضَ الأسئلة دون إجابات. وربما يكون عامة الناس راضين عن التضخم عند مستواه الحالي إذا كانت الأجور ترتفع بشكل أسرع. لقد كان معدل التضخم على مدار عام 2000 مرتفعاً تقريباً كما كان في الأشهر الأخيرة، ويبدو أن الناس لم يمانعوا في ذلك.
ومن ناحية أخرى، ربما يكون لدى الأميركيين رد فعل سلبي أقوى تجاه التضخم اليوم بسبب السياق الذي يأتي فيه: ارتفاع طفيف لعدة سنوات بعد عقود من الزمن عندما كان منخفضاً في أغلب الأحيان. إذن، فحتى نمو الأجور الحقيقية قد لا يكون كافياً لتقليل استيائنا من الصدمة. إن التضخم آخذ في الانخفاض، لكنه لا يزال مرتفعاً مقارنةً بتجربتنا الأخيرة وبمعدل التضخم المستهدف من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي. لذا فإن الأسعار مرتفعة والفجوة بين مستواها الحالي ومستوى ما قبل الجائحة مستمرة في الاتساع وبسرعة أكبر من المعتاد. وقد لا يكون من المريح بالنسبة للمستهلكين أن يكون المشتق الثاني للأسعار سلبياً، وهو ما يعنيه القول بأن التضخم في انخفاض.
يتم استخدام المشتق الأول لإعطاء قيمة لما إذا كان سعر المنتَج الأساسي يرتفع أم ينخفض. وهو ينظر إلى منحدر منحنى التسعير. ويتم استخدام المشتق الثاني لإعطاء قيمة لتقلب المنتج الأساسي. وهو ينظر إلى مدى انحناء منحنى التسعير.
ربما يكون من الحكمة أن نفترض أنه عندما يقول الأشخاص الذين يشكلون الاقتصاد إن أداءه ليس على ما يرام، فإن الأمر ليس كذلك. وهذا صحيح بشكل خاص عندما يكون لتصورهم أساس عقلاني في البيانات. يتعين على الأميركيين أن يعودوا بتفكيرهم إلى الوراء لبضع سنوات فقط حتى يتذكروا كيف يبدو الاقتصاد الجيد، وهذا ليس هو الحال.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سيندكيشن»