مقارنة بالرعب الذي حل بإسرائيل خلال الآونة الأخيرة، فإن الجدل الدائر حول الخطاب المؤيد للفلسطينيين في الجامعات قد يبدو وكأنه عاصفة في إبريق شاي. ولكن العاصفة تحمل دروساً مهمة في كيفية إدارة الحوار العام، وليس فقط في الحرم الجامعي.
مباشرة بعد الهجوم الإرهابي الأولي الذي شنته «حماس»، سارع ائتلاف يضم ثلاثين مجموعة طلابية في جامعة هارفارد إلى إصدار بيان يلقي باللوم في كل شيء على إسرائيل. لكن عدداً من الطلاب السابقين البارزين ردوا بغضب يمكن فهمه.
وبدا الكثيرون منهم أقل غضباً من الطلاب من غضبهم على الجامعة نفسها لعدم استعجالها في إصدار بيان مؤيد لإسرائيل وإدانة بيان الطلاب. على سبيل المثال، قال رئيس جامعة هارفارد السابق «لاري سمرز»، إن صمت المؤسسة أصابه «بالاشمئزاز».
وأشار سامرز وآخرون إلى تصريحات سابقة لقادة جامعة هارفارد تدين الحرب في أوكرانيا ومقتل جورج فلويد. ورغم أن الصمت لم يدم، فقد سارعت رئيسة جامعة هارفارد الحالية «كلودين جاي» إلى ضم صوتها إلى الإدانة واسعة النطاق للعنف الذي تمارسه «حماس»، ورفضت ضمناً وجهات النظر التي عبر عنها ائتلاف الطلاب، إلا أن الضرر كان قد وقع.
وهنا تكمن المشكلة. عندما يصبح من الشائع بالنسبة لأولئك الذين يشغلون مناصب قيادية المجاهرة برفض الكثير من الأخطاء الجسيمة التي تحدث في يومنا هذا، فإن عدم إدانتهم الأخطاء الأخرى يعتبر بمثابة موافقة. فإذا أصدروا بيانات أقل، وإذا اكتسبوا سمعة عدم التحدث علناً، فقد يصبح الجمهور المضطرب أقل ميلاً إلى المبالغة في تفسير صمتهم.
ولنتأمل هنا ما حدث في ربيع عام 1970، أثناء الفترة التي سبقت محاكمات النمر الأسود في نيو هيفن. أعرب رئيس جامعة ييل «كينجمان بروستر» علناً عن شكوكه في إمكانية حصول الثوري الأسود على محاكمة عادلة في أي مكان في الولايات المتحدة. وأثار هذا البيان الأخبار في جميع أنحاء العالم. لماذا؟ لأن رؤساء الجامعات في ذلك الوقت نادراً ما كانوا يخوضون في الجدل. فالصمت وعدم التحدث كان هو القاعدة. ولهذا، عندما أعرب أحدهم عن رأيه، جلس الجمهور وانتبهوا.
ولكن في أيامنا هذه، يصدر قادة الكليات والمؤسسات الأميركية الأخرى ما يبدو غالباً سيلاً مستمراً من البيانات، سواء بشأن أوكرانيا، أو تغير المناخ، أو قرارات المحكمة العليا، أو وحشية الشرطة في الولايات المتحدة. ونظراً لانتشارها في كل مكان، فلا عجب ألا يلاحظها أحد... إلا عندما لا يتحدثون على الإطلاق. ونصيحتي هي الحد من الإدلاء بتصريحات عامة. يمكن لمزيد من المدارس، على سبيل المثال، أن تتبنى «تقرير كالفن»، الذي تمت صياغته في جامعة شيكاغو في عام 1967، والذي يلزم الجامعة نفسها بموقف عام من الحياد حتى فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية الملحة، لأنه لا يوجد أحد يتحدث باسم المدرسة ككل، ولأن الجامعة المحايدة يمكنها تعزيز الحوار بين أعضائها بشكل أفضل، دون أن يبدو أنها ترفض المنشقين.
وهو الأمر الذي يقودنا إلى الطلاب.
حتى وقت كتابة هذه السطور، كان تحالف 30 منظمة في جامعة هارفارد، الذي قام بالإدانة، قد انهار. أفادت صحيفة «هارفارد كريمسون» أن عدة مجموعات سحبت دعمها للبيان، في بعض الحالات بعد ارتكاب ما يرقى إلى أعمال التكفير عن الذنب. وفقدت المجموعات الأخرى أعضاء. ويبدو أن أكثر من حفنة من قادة الجماعات قد أضافوا أسماء مجموعاتهم دون استشارة أي شخص. هذا خطأ كبير - ولكن ليس غير مألوف في هذا العصر.
وكانت إدانات البيان، بما في ذلك من قبل الجامعة، متوقعة تماماً. لقد اقترحت من قبل، وما زلت أعتقد، أنه في الحالات النادرة فقط يجب على مسؤولي الجامعة التعليق على المواقف التي يتخذها الطلاب. والسبب ليس أن الطلاب عادة (أو حتى في كثير من الأحيان) على حق. بل لأنهم بحكم تعريفهم غير ناضجين، لذا عندما يصدرون بيانات على عجل، فإنهم يميلون إلى ارتكاب الأخطاء.
لكن ماذا في ذلك؟ لقد مررنا جميعاً بتلك المرحلة. إن التعبير عن الأفكار، بما في ذلك من خلال التصريحات العامة، هو الطريقة التي يعمل بها العقل الفضولي على تحسين نفسه. حتى لو كانت الأفكار خاطئة.
وقد ظهرت نسخ من الضجة التي أثارتها جامعة هارفارد في جامعات أخرى، بما في ذلك كلية الحقوق بجامعة نيويورك، حيث أدى بيان مناهض لإسرائيل أدلى به رئيس نقابة المحامين الطلابية إلى إطلاق جولة أخرى من الدعوات للجامعة للنأي بنفسها (وهذا ما حدث بالفعل). ومع ذلك، لا أستطيع أن أفكر في أي قضية أصبحت أكثر نجاحا لأنها قادرة على القول «لدينا الكثير من رؤساء الجامعات إلى جانبنا». والأهم من ذلك، أن عبارة «لدينا تحالف من المنظمات الطلابية إلى جانبنا» غير مقنعة على الإطلاق.
إن التصريحات القوية من مسؤولي الجامعة قد لا تسترضي المنتقدين الذين أساءت إليهم تصريحات الطلاب. صرح مدير صندوق التحوط «بيل أكمان» وغيره من المديرين التنفيذيين بشكل قاطع أنهم لن يوظفوا أبدا طالباً انضم إلى مثل هذه العريضة. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه. وبالفعل، فقد طالب جامعة نيويورك عرض العمل.
وكانت وجهة نظري الخاصة منذ فترة طويلة هي أن سوق العمل لا ينبغي له أن يعاقب الناس بسبب سياساتهم. إنها دولة حرة، وللطلاب الحق في التحدث. يحق للشركات اختيار الموظف على أي أساس أنه غير محظور قانوناً، بما في ذلك المناصب العامة التي قد يشغلها الموظفون المحتملون. وخلال الأزمة، من المرجح أن يمارس كل منهما حقوقه على نطاق أوسع.
ومع ذلك، آمل أن نتمكن من وضع هذا الجدل خلفنا بسرعة. في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت هذا الأسبوع، أمامنا تحديات أكثر أهمية بكثير.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج أند سينديكيشن»