منطقيٌ جداً تخصيص منتدى «الاتحاد» الثامن عشر لقضية تغير المناخ، التي سيعودُ العالم إلى الاهتمام بها في الأيام المقبلة استعداداً للقمة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب28»، التي تستضيفها دولة الإمارات بين 30 نوفمبر و12 ديسمبر. قدم المنتدى، الذي عُقد في الذكرى الرابعة والخمسين لإصدار صحيفة «الاتحاد»، إسهاماً مهماً في التعريف بدور دولة الإمارات بشأن قضية تغير المناخ، وبعض أبعادها الأساسية على نحوٍ يُفيد المراقبين والباحثين، كلٌ في مجاله.
والمُستفادُ من هذا الإسهام في مجمله أن الكثير يُنتظر من «كوب28» الذي يكتسب أهميةً خاصة جداً. ويكفي أن تعود قضية تغير المناخ إلى الواجهة، ويُستعاد الاهتمام الدولي بها، في الوقت الذي تتجه الأنظار إلى حربٍ جديدة في قطاع غزة، فيما لم تنته حرب أوكرانيا. حربان تُوّجِهان سياسات الكثير من دول العالم بعيداً عن قضية تغير المناخ، الأمر الذي يُمثّل خطراً على مستقبل الكوكب.
ولهذا يبدو حقيقياً ودقيقاً عنوان منتدى «الاتحاد» الأخير، وهو «رسالة الإمارات لإنقاذ الكوكب». فكلُ تأخرٍ في إنجاز ما يساعد في التغيير العكسي للمناخ، أي خفض حرارة الأرض التي ارتفعت وما زالت، يجعلُ الكوكب في خطرٍ متزايد. غير أنه من حسن الطالع عقد «كوب28» في دولة الإمارات التي تملكُ قدرةً ديبلوماسيةً كبيرةً على التحرك في أصعب الظروف، ويُعَوَّلُ عليها بالتالي لإعادة الزخم إلى قضية تغير المناخ، لكي لا تتوه في زحام انشغال العالم بالأحداث المشتعلة في الشرق الأوسط وشرق أوروبا، والقابلة أيضاً للالتهاب في شرق آسيا.
ولهذا كان الجزء الأول في المنتدى عن دور دولة الإمارات، والإنجازات التي حقَّقتها على نحوٍ يجعلها نموذجاً بيئياً يصح الاقتداء به، أو على الأقل الاستفادة منه في دولٍ أخرى. ففضلاً عن التوسع المستمر في تقنيات الطاقة النظيفة والمتجددة، تُسهم الإمارات بشكلٍ متزايد في نشر هذه التقنيات، وتُنشئ نمطاً من التحالفات يُعدُّ جديداً في العلاقات الدولية، مثل تحالف الوقود الحيوي وتحالف الطاقة الشمسية وغيرهما. ونجح المشاركون في جلسة «مواجهة التحدي برؤى إماراتية» في توضيح أهم أبعاد هذا الدور، على نحو يُبَّشٍر بتحول التحدي العظيم إلى فرصة.
كما أُلقيت في الجلسة الثانية «التغير المناخي وفرص الاقتصاد الأخضر» أضواءٌ على التقدم الحاصل في الطريق إلى التنمية المستدامة رغم تحديات الأوضاع الملتهبة في العالم. ويتطلب استمرار هذا التقدم تعاوناً دولياً أوسع يُتوقع أن تعمل دولة الإمارات لتأمينه خلال «كوب28» بحيث يشملُ جوانب عدة نوقشت في الجلسة الثالثة، وعنوانها «التعاون الدولي لجسر الفجوة بين الشمال والجنوب»، وفى مقدمها تحقيق ما لم يتيسر إنجازه في «كوب27» على صعيد آلية تمويل خسائر التغير المناخي في الدول النامية، ومساعدتها في الاتجاه نحو تقنيات الطاقة الجديدة. فالمُتوقع من «كوب28» كثيرٌ لأن سجل الدولة المُضيفة يحفزُ على زيادة الطموح لإنقاذ الكوكب.
*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية