حينما تضطر بعض البلدان الفقيرة للتخلف عن تسديد ديونها الخارجية، كما فعلت غانا وزامبيا، فإنها تدفع ثمناً باهظاً. ذلك أنه مع انقطاع الائتمان عنها، يتوقف الإنفاق على الصحة والتعليم والتعامل مع الآثار الضارة لتغير المناخ. والواقع أنه كثيرا كثيراً ما تحثّنا الدول الغربية على الاستثمار في مشاريع المرونة الطموحة من النوع الذي نحتاجه من أجل البقاء في عالم ما فتئ يزداد حرارة. غير أنه لا يمكننا حل مشكلة المناخ في أفريقيا ما لم نحل مشكلة الديون. فمن أصل الـ 52 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل التي عجزت عن تسديد ديونها أو اقتربت من ذلك خلال السنوات الثلاث الماضية، هناك 23 دولة توجد في أفريقيا.
ويعرف عبء ديون القارة ارتفاعاً صاروخياً نتيجة لعوامل خارجة عن سيطرتها من قبيل: تداعيات الوباء، وارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية، وارتفاع أسعار الفائدة، والكوارث المناخية التي تُضعف اقتصاداتنا وتستنزف قدرتنا على السداد للدائنين. خلال الوباء، ضخّت الدول الغنية تريليونات الدولارات في اقتصاداتها لدعم الأسر والشركات، ولكن الحكومات الأفريقية لم يكن لديها مثل هذا الخيار. ولم يتمكن قادتها من الإبقاء على دولهم واقفة على قدميها إلا من خلال مزيد من الديون، الديون التي تبيّن أنها طوق نجاة باهظ الثمن.
ونتيجة لارتفاع أسعار الفائدة، سترتفع مدفوعات ديون أفريقيا إلى 62 مليار دولار هذا العام، بزيادة قدرها 35% مقارنة مع 2022. ولوضع هذا الرقم في سياقه، فإن أفريقيا تدفع الآن في خدمة الديون أكثر من مبلغ 50 مليار دولار سنويا سنوياً الذي يقول «المركز العالمي للتكيّف» إنه يحتاج لاستثماره في القدرة على التكيف مع تغير المناخ. هذه الاستثمارات ليست أشياء ثانوية يستحب الحصول عليها، بل أساسية لبناء الطرق والجسور والسدود التي يمكنها تحمل الأمطار الغزيرة والفيضانات. والفشل في القيام بذلك سيؤدي إلى كوارث، كما تشهد على ذلك الفيضانات المأساوية الأخيرة في ليبيا.ولكن بدلا بدلاً من تلقي الأموال لمعالجة أزمة المناخ، تستدين أفريقيا بتكلفة تصل إلى ثمانية أضعاف تكلفة الاستدانة بالنسبة للعالم الغني من أجل إعادة الإعمار بعد الكوارث المناخية.
ولهذا السبب تحتاج أفريقيا بشكل عاجل لإيقاف تسديد الديون مؤقتاً حتى تتمكن من الاستعداد لعالم يتّسم بتزايد الظواهر المناخية المتطرفة. ولعل الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في مراكش بالمغرب، والتي بدأت الاثنين الماضي ، الماضي، تشكّل مكاناً جيداً للشروع في ذلك. لقد أُنشئ النظام المالي العالمي ليكون شبكة أمان بالنسبة لأفقر بلدان العالم، وسبيلاً لتفادي عدم الاستقرار المالي. ولكن العالم يبدو مختلفاً جدا جداً عما كان عليه قبل ما يناهز ثمانين عاما، عاماً، حينما التقى مهندسو النظام في بريتون وودز من أجل صياغة نظام عالمي جديد. فالإطار الذي قاموا بإنشائه بات الآن قديماً ومختلاً وغير عادل. قديماً لأن المؤسسات المالية الدولية التي أنشأوها أضحت صغيرة ومحدودة جدا جداً على نحو باتت لا تستطيع معه إنجاز المهمة التي أنشئت من أجلها. ومختلاً لأن النظام ككل أبطأ من أن يستجيب للتحديات الجديدة، مثل تغير المناخ. وغير عادل لأنه يميّز ضد البلدان الفقيرة.
والحق أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي باتا يدركان الآن أن تغير المناخ يشكّل تهديداً للاستقرار الاقتصادي والمالي، ويعملان حاليا حالياً على تغيير سياسات الإقراض الخاصة بهما ردا رداً على ذلك. ولكن ما زال هناك الكثير الذي يجب القيام به -- به، والوقت ينفد منا للقيام بذلك. والواقع أننا لسنا الوحيدين الذين يعتقدون أن النظام في حاجة إلى إصلاح. فقد دعا أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، صندوق النقد الدولي إلى إعادة توجيه 100 مليار دولار سنويا سنوياً في صورة حقوق سحب خاصة، وهو أصل احتياطي دولي، لتمويل الاستثمارات في التنمية المستدامة والعمل المناخي.
كما تقترح «مبادرة بريدجتاون»، التي ساهمت في إطلاقها «ميا موتلي»، رئيسة وزراء بربادوس، تدابير لتوجيه المزيد من الائتمان والاستثمارات إلى تأمين المرونة المناخية والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، ووضع قواعد لتخفيف عبء الديون عن الدول المعرضة للمخاطر المناخية. ولا شك أن اجتماعات الأسبوع الماضي في مراكش تشكّل فرصة للبدء في ترجمة هذه المقترحات إلى أفعال. لقد دعت أفريقيا إلى وقف مدفوعات الفائدة على الديون الخارجية لمدة 10 سنوات من أجل إعطاء البلدان الأكثر هشاشة في العالم مجالاً للاستثمار في تأمين المرونة المناخية والاحتياجات الملحة الأخرى، مثل الصحة والتعليم. كما أننا في حاجة إلى استخدام أكثر إبداعا إبداعاً لوسائل تخفيف أعباء الديون (على سبيل المثال، مقايضة الديون بالطبيعة) بالطبيعة)، حيث يتم إعفاء جزء من الديون الخارجية لدولة من الدول في مقابل استثمارات محلية في تدابير الحفاظ على البيئة.
وهذا ما سمح لسيشيل بالاستثمار في الحفاظ على بيئتها البحرية لحماية محيطاتها وتقوية دفاعاتها ضد ارتفاع مستوى مياه البحر. كما أننا بحاجة لمزيد من المرونة في النظام. وعلى سبيل المثال، ينبغي تعليق سداد الديون تلقائياً عند وقوع الكوارث المناخية. لقد استغرق الأمر ثلاث سنوات بالنسبة لزامبيا للتوصل لاتفاق إعادة هيكلة مع الدائنين، وهذا مجرد مثال واحد على كيف أن عمليات إعادة التفاوض حول الديون تستغرق فترة طويلة جدا. جداً.
ولهذا فإننا في حاجة لعملية أسرع قادرة على توفير الإغاثة الفعّالة بسرعة للدول ال52 الـ 52 التي عجزت عن تسديد ديونها أو المعرضة لذلك. إننا لا ندّعي أن الأمر سيكون سهلاً، إذ يجب أن يتفق جميع الدائنين على ذلك، وهم بالآلاف. والمشكلة لا تكمن في حجم الدين المستحق على الحكومات الأفريقية والذي يبلغ 1.8 تريليون دولار، فإجمالي ديون ألمانيا يبلغ 2,6 تريليون دولار. إنما المشكلة تكمن في البنية المعقدة: ذلك أن القطاع الخاص، بما في ذلك حاملو السندات، يمتلكون نحو 40 في المئة من الدين الخارجي العام للقارة، بينما تمتلك البنوك متعددة الأطراف مثل البنك الدولي وغيره من مؤسسات التمويل الدولية 38 في المئة أخرى، وتمتلك دول دائنة، مثل الصين، 21,5 في المئة. في الوقت الراهن، الصين ليست عضوا عضواً في «نادي باريس»، وهو مجموعة غير رسمية من الدول الدائنة، ولكن باعتباره أكبر مقرض ثنائي لأفريقيا، لا بد من أن يكون مشاركاً في الحوار. وبانضمامها إلى عملية إعادة التفاوض الأخيرة من أجل إعادة هيكلة 6.3 مليار دولار من ديون زامبيا الخارجية، على مدى عشرين عاما عاماً مع فترة سماح مدتها ثلاث سنوات، أظهرت الصين أنها يمكن أن تكون جزءاً من الحل.
إن أفريقيا تبذل كل ما في وسعها للتكيّف مع عواقب تغير المناخ الذي لم تكن سبباً فيه، ولكنها لا تستطيع التكيّف بمفردها. ففجوة التمويل هائلة، وكذلك الحال بالنسبة لاحتياجات القارة. إن أفريقيا تريد العمل مع بقية العالم من أجل التوصل إلى حلول. وبفضل سكانها الشباب، وموارد طاقتها المتجددة وثروتها المعدنية الهائلة، ومساحاتها الكبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة، أضحت القارةُ أكثر أهمية للازدهار العالمي المقبل من أي وقت مضى. ولا شك أن جعل التمويل العالمي يستجيب لاحتياجات أفريقيا المناخية هو أحد السبل لضمان نجاح أفريقيا، بما يعود بالنفع على العالم برمته.
ويليام روتو*
*رئيس جمهورية كينيا
موسى فقي محمد**
**رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي
أكينوومي أديسينا***
***رئيس مجموعة البنك الأفريقي للتنمية
باتريك فيركوين****
****الرئيس التنفيذي للمركز العالمي للتكيّف
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»