دروس من برنامج «بيبفار»
يتعرض أحد أنجح البرامج الحكومية في تاريخ البشرية لخطر إضعافه أو حتى القضاء عليه. ومع ذلك، لم يسمع سوى القليل من الأميركيين عن خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز (بيبفار)، ناهيك عن إنجازاتها غير العادية. «بيبفار» برنامج الرئيس للإغاثة الطارئة من مرض الإيدز، بدأه جورج دبليو بوش عام 2003. ويوفر البرنامج، الذي تشرف عليه وزارة الخارجية، العلاج لفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز والأمراض المشتقة منه (مثل السل) من خلال التدريب والبنية التحتية الطبية ودعم الأيتام، والأطفال الضعفاء، والأهم من ذلك، العقاقير المضادة للفيروسات.
ووفقاً لبعض التقديرات، أنقذ البرنامج حياة 25 مليون شخص على مدى العقدين الماضيين، وأنفق نحو 90 مليار دولار على علاج العديد من الأفارقة الذين لم يكن بمقدورهم تحمل تكاليف العلاج أو الحصول عليه لولا ذلك. لم تنقذ خطة «بيبفار» أرواح الأفارقة فحسب (بطريقة فعالة للغاية من حيث التكلفة)، بل أدت أيضاً إلى تحسين نوعية الحياة للعديد من الأفارقة، وساعدت اقتصادات العديد من الدول الأفريقية.
إن صقل سمعة أميركا يشكل مكافأة إضافية. لماذا إذاً أصبحت خطة بيبفار، التي كانت تحظى عادة بدعم الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي»، في خطر؟ يقول بعض «الجمهوريين» إن بعض أجزاء البرنامج تشجع على الإجهاض، في حين يشعر بعض «الديمقراطيين» بالقلق بشأن إعادة إدراج بعض الأحكام المناهضة للإجهاض في خطة «بيبفار»، التي يعود تاريخها إلى رئاسة دونالد ترامب. ولكي أكون واضحاً: أعتقد أنه يجب إعادة تفويض خطة بيبفار لمدة خمس سنوات أخرى، كما حدث ثلاث مرات من قبل. ومع ذلك، أود النظر في بعض الآثار الأوسع لنجاحها.
أولا، كما زعم زميلي السابق في صحيفة بلومبيرج، نوح سميث، استطاعت الدولة الأميركية تحقيق بعض الانتصارات في الآونة الأخيرة، منها خطة بيبفار. وعملية السرعة القصوى Operation Warp Speed، التي أنتجت لقاحات كوفيد بسرعة مذهلة، هي مثال آخر. ولم تفقد أميركا قدرتها على تنفيذ المشاريع الكبيرة. ماذا يعني أن اثنتين من أنجح السياسات في السنوات العشرين الماضية نشأتا مع الإدارات «الجمهورية»؟ أو أن اثنين من الأشخاص الأكثر ارتباطاً بهذه المبادرات -كوندوليزا رايس (بيبفار) وجاريد كوشنر (عملية السرعة القصوى)- لم يحصلا أبداً على التقدير المناسب لجهودهما؟ كان ينبغي ذلك، على الرغم من أي اعتراضات أخرى قد تكون لدى المرء على قراراتهم الأخرى. وفي الوقت نفسه، كان الحزب «الجمهوري» مسؤولاً عن تشويه سمعة كل من خطة «بيبفار» و«عملية السرعة القصوى».
كانت الشكوك آخذة في التزايد حول العولمة والمساعدات الخارجية والأجانب أنفسهم، مما يجعل من الصعب الحديث عن إنجازات هذه البرامج. وبدلاً من أن تنسب «مؤسسة التراث» المحافظة الفضل في إنجازات الحزب «الجمهوري» لأهله، كما كان من الممكن أن تفعل في الثمانينيات أو التسعينيات، فقد نشرت في الواقع دراسة في الربيع الماضي تهاجم خطة «بيبفار». وأصبحت المشاعر المناهضة للقاحات في الحزب «الجمهوري» الآن قوية للغاية لدرجة أن العديد من مرشحيه ينظرون إلى دعم عملية السرعة القصوى باعتباره مسؤولية سياسية.
ومن بين نتائج هذا الخلل الوظيفي أن الولايات المتحدة غير قادرة على مناقشة أو معالجة المقايضات المرتبطة بالعولمة على النحو اللائق، والتي أصبحت (أي العولمة) كلمة بذيئة. لا شك أن العولمة واجهت إخفاقاتها في الآونة الأخيرة، وأبرزها في العراق وأفغانستان. لكن العولمة حققت أيضاً نجاحات كبيرة، وتظهر كل من خطة «بيبفار» وحركة العالم الغربي أن الولايات المتحدة قادرة على إنشاء برامج لا تساعد الأميركيين فحسب، بل تعود أيضاً بفوائد هائلة على العالم أجمع. إن ما نحتاج إليه هو تحليل حقيقي لتكاليف العولمة وفوائدها، ومع ذلك يبدو أننا غير قادرين حتى على إجراء مناقشة عقلانية حول هذه العولمة.
الدرس الأخير المستفاد من خطة «بيبفار»: ربما يتم الاستهانة بالمساعدات الخارجية، كبرنامج حكومي. وقد أثبتت العديد من استثمارات المساعدات الخارجية عدم فعاليتها، كما أدى بعضها إلى ترسيخ الفساد في البلدان المتلقية. لكن النجاحات الأكبر كانت كبيرة، وربما تتحسن جودة المساعدات الخارجية لأن البلدان المتلقية أصبحت الآن أكثر قدرة على استغلالها بشكل جيد.
ربما كان منتقدو المساعدات الخارجية على حق قبل عقد ونصف من الزمان، ولكنهم لم يعودوا كذلك اليوم. أما بالنسبة لخطة «بيبفار»، فأنا أتوقع أن يستمر البرنامج بشكل أو بآخر، ولو مع بعض الضرر الذي يلحق بالسمعة. ولا أتوقع قدراً كبيراً من الجدية في التعامل مع الدروس الأعمق المستفادة من نجاحها. إنهم غير مرتاحين للغاية. لذا فمن المرجح أن تظل خطة بيبفار مجهولة نسبياً، ولا تحظى بالتقدير الكافي، لمدة خمس سنوات أخرى على الأقل. ولعل الجانب المشرق هو أن البقاء بعيداً عن الأضواء يسمح أحياناً للبرنامج بالازدهار.
*أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج ماسون
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»