أين يتجه السودان؟!
ليس هيناً على نفسية الإنسان العربي ما يمر به الأشقاء في السودان الجريح من مواجهات وصراعات طاحنة تبدو يوماً بعد آخر معركةَ كسر عظم بين الأشقاء ورفاق السلاح، حيث السكين وصلت للحم الحي في ما تبقى من بقايا الهيكل العظمي لبلد عزيز كان يطلق عليه ذات يوم «سلة غذاء العالم العربي»، لما يتمتع به من أراض زراعية خصبة وموارد مائية وفيرة.
لم تفلح الوساطات ولا المفاوضات ولا مؤتمرات المصالحة الوطنية.. ولا حتى فرض الهدنة، في إيقاف المعارك المدمرة وحقن دماء الأشقاء. إن ما يجري هناك جنوحٌ عن طريق السلام والوفاق والوحدة الوطنية، بل ضرب من الجنون.
فكيف تؤدي المنافسات من أجل النفوذ والخلافات على كرسي السلطة إلى جر بلد، لديه أصلا مشاكله التنموية العصيبة، نحو هذه المواجهات المسلحة المدمرة بين القوى العسكرية المتناحرة، والتي كل واحدة منها تتهم الأخرى بالغدر والخيانة وقتل الأبرياء وعدم الانصياع لرغبة الشعب السوداني ووحدته؟!
إن هذه الأطراف تضر السودان والشعب السوداني في العمق، بإدخاله قواته المسلحة في حرب تكاد تقسم هذه القوات ومن ورائها الشعب السوداني نفسه، حيث أصبح السوداني يحمل السلاح ويقتل أخيه، بأوامر ممن لا تهمهم الدماء السودانية التي أصبحت تسيل هدراً كل يوم بلا ثمن ولا هدف إلا لمصلحة وأهواء ورغبات شخصية لمن يريد الانتصار على خصمه بدماء الشعب وعلى جثث أبناء الشعب الذي ابتلي بمن أعماه الطمع في السلطة وحب التفرد بها.
إن الصراع الحالي بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع السودانية أيضاً، مرشح للاحتدام والتفاقم وصولا إلى مرحلة أكثر قسوة وفتكاً، خصوصاً بعد أن طالب كلُّ طرف بانضمام الشباب السوداني إلى قواته دفاعاً عن رغبة الشعب السوداني كما يزعم!
وللأسف الشديد يبدو أن السودان يوشك أن يلحق بركب الدول المنهكة والممزقة جراء ما يسمى «الربيع العربي» الذي تحول إلى صيف قاحل أكل الأخضرَ واليابسَ، محوِّلا بعضَ الدول إلى حطام وهياكل عظمية متآكلة، يعبث بها الإرهاب ويعيث فيها المرتزقة فساداً وقد أصبحت ساحات للفساد والفقر والجهل والقتل.. بعد أن كانت دولا مرموقةً وناهضةً في مجالات التعليم والثقافة والتجارة والصناعة والزراعة، لكنها بين ليلة وضحاها تحولت إلى كانتونات تخضع للمليشيات المسلحة المتطرفة الطائفية، وتتفشى فيها الأمراض والأوبئة والفقر، وتنعدم الإمدادات والخدمات الأساسية من مياه وكهرباء ودواء وغذاء.. بينما ترتفع نِسبُ الأمية والبطالة والفقر والجوع إلى مستويات قياسية.
باتت هذه الدول عاجزةً حتى عن تنظيف شوارعها من القمامة التي تسد الأنوف، فضلا عن ركام حطام آثارها وتراثها وتاريخها المتناثر! لم تشفع لها أمجادُها الحضارية التليدة ولا أدوارها السياسية والاقتصادية القديمة، فأصبحت مجردة من كل امتيازاتها المادية والمعنوية الكبيرة السابقة بعد أن خسرت الأمنَ والاستقرار. إنه الخراب واليأس البؤس الذي تعمل على نشرها جماعاتٌ تفتقر إلى الضمير الوطني والإنساني، لكن جيوبَ قادتها ملأى بالدولارات الأجنبية، إذ ما عادوا يثقون حتى في عملة بلادهم الوطنية التي سحقوها تحت الأقدام.
* كاتب سعودي