عملية تجميل فاشلة
باتت مقاربات الولايات المتحدة فيما يخص ما بات يُتعارف عليه بـ «عملية التطبيع السعودية الإسرائيلية» ما يشبه إخفاء ملامح عملية تجميل للأنف في حفل رأس سنة، وتفسير الضمادة والتورم تحت العينيين بأنها نتيجة زكام حاد. ولنحاول جادين هذه المرة «في» محاولة إيجاد العذر لإدارة الرئيس بايدن، أو «لنقل» تفهم الدوافع من وراء مواصلة تحويل ملف إقليمي خاص إلى آخر محلى ضمن نطاق انتخابات محلية، حتى وان كانت رئاسية في الولايات المتحدة.
ويحضرني هنا نقاش مع أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين حول نفس الموضوع «ترى هل سينجح الأميركان في إقناع الرياض بالتطبيع معنا؟»، رددت: «ولماذا يتعين على الرياض الذهاب إلى واشنطن والمسافة بين تل أبيب والرياض هي في حدود الثلاث ساعات أو أقل، وإن كل ما عليكم هو القبول باعتماد مبادرة السلام العربية (السعودية أساساً) مرجعاً لمقاربة إقليمية إقليمية، واعتماد إطارٍ زمني تتفق على تنفيذه جميع الأطراف المعنية. والأوجب كذلك إدراك انتفاء قبول الرياض تدويل ملفات إقليمية، والمشاوير الطويلة بعد تطبيق زووم ما عاد لها لازم.
ربما أن الاقتراح الوحيد هو أن تعيد إسرائيل مراجعة استراتيجيتها الإقليمية انطلاقاً من الشراكة الإقليمية». دوافع الإدارة الأميركية ترتبط ببرنامج إعادة انتخاب الرئيس بايدن (إن قرر هو الاستمرار في ذلك من عدمه، وذلك شأن أميركي بحت)، إلا أن الأمر ربما يتعلق بافتراض القبول بأن تعود المملكة العربية السعودية ضمن عنوان في معركة انتخابات رئاسية فقط لكونها قابلة للتوظيف «المحلي» من المنظور الأميركي تارة، وتارةً أخرى كونها درة تاج أولويات السياسة الخارجية الأميركية لكونها باتت بيضة القبان في كافة المعادلات الإقليمية، والعربية، والإسلامية واستقرار أسواق الطاقة العالمية، وطرفاً يعتد به في الأزمات الكبرى (مؤتمر أوكرانيا في جدة). إسرائيل وعبر مستشار أمنها القومي تساحي هنغبي، قد عبر عن رأيه وإن خلاف رئيسه «نسبياً»، حيث قال «إن المسار الأميركي السعودي حول ملف التطبيع مع إسرائيل هو مسار خاص بالطرفين» وبعبارة أخرى (عدم جواز ربط حصان هذا المسار الإقليمي بعربة أميركية من غير دواليب). هنغبي يعي تماماً أن واشنطن اليوم لم تعد تملك تلك الحظوة التي كانت لديها لدى الرياض، نتيجة تجاهلها لرأي الرياض من 2003 إلى مناهضة قرارها خفض إنتاج النفط في أكتوبر 2022. أما ثانياً، فيتمثل في أولويات لوبي الضغط اليهودي الأميركي (ايبك) وأولها معالجة واحتواء الأضرار الناجمة عن سياسات الائتلاف الحاكم في إسرائيل. أما ثالثها، فهو أن الموقف الإسرائيلي سيكون مكشوفاً أمام الرياض، إنْ قررت تل أبيب الإمعان في سوء تقدير الموقف الإقليمي بدراية مسؤولة من تلك المقاربة وتوابعها. وإسرائيل لا تملك ترف تجاهل موقف الرياض وذلك أولاً، أما ثانياً، فهو إدارة الشأن الأميركي (العلاقات الأميركية الإسرائيلية الشديدة الخصوصية) بحذر بالغ في ظل انقسام إسرائيلي حاد داخلياً وعزلة دولية، وانتخابات رئاسية أميركية قادمة لا ملامح واضحة لها.
ربما إن الإمعان في سوء تقدير خصائص الظرف الزمني من قبل الإدارة الأميركية قد يدفع بتعطيل بعض الديناميكيات الحيوية والمغايرة في أدواتها عن حث على مقاربة المواثيق الإبراهيمية، والرياض قد احترزت جيداً لمثل ذلك عبر الانخراط الفاعل لمثل المناورات القائمة من قبل هذه الإدارة. وفي الوقت نفسه استطاعت الأدوات الدبلوماسية الخليجية تحييد أوراق الضغط الأميركية السياسية بكل اقتدار، وتكرار قدوم جيك سوليفان (مستشار الرئيس بايدن للأمن القومي) للرياض يجب يقرأ أن كحل وزارة الخارجية لا يجمل عينها الرمداء وخصوصاً بعد دخول الإدارة مرحلة العرج السياسي.
*كاتب بحريني