القمة الروسية الأفريقية
عُقِدت يوم الخميس الماضي، ولمدة يومين، القمة الروسية الأفريقية الثانية، وكانت القمة الأولى قد عُقدت في عام 2019 كجزء من النهج الروسي لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، وكان مجرد انعقادها مؤشراً على نجاح هذا النهج، بغض النظر عن تقييمنا لدرجة هذا النجاح، والتي لا تبدو قليلة، بدليل نموذج التصويت الأفريقي اللافت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على أهم قرارين اتُخذا لإدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وكان أولهما يدينه، والثاني يُعلق عضويةَ روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وعكس نموذج التصويت الأفريقي على القرارين قلقاً وغضباً واضحين من الدوائر الغربية، وبالذات الأميركية، ففي القرار الأول شكَّلت الدولُ الأفريقية حوالي نصف عدد الدول التي امتنعت عن التصويت (16 من 35)، ونصف المتغيبين عن التصويت (6 من 12)، فيما كانت دولة أفريقية ضمن الدول الخمس التي رفضت القرار. ويعني هذا أن أقل قليلاً من نصف الدول الأفريقية (23 من 54) لم يُدِن العملية العسكرية الروسية.
واتضح هذا النموذج أكثر في القرار الثاني، حيث مثَّلت الدولُ الأفريقية ثلث عدد المعترضين عليه (8 من 24)، وحوالي خمس الممتنعين (11 من 58)، وتغيبت 11 دولة عن التصويت، أي أن نسبة الدول الأفريقية التي رفضت تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان ارتفعت عن نسبة رفض إدانة العملية العسكرية الروسية من أقل من النصف إلى أكثر من 55% (30 من 54)، وهو ما يعني أن الدول الأفريقية كان لها موقفُها الذي تميز بشكل واضح عن مواقف دول التحالف الغربي المناهض لروسيا.
ومع اقتراب موعد عقد القمة الثانية كانت ملامح النموذج الذي آلت إليه الحرب في أوكرانيا قد بدأت تتضح، فثمة حالة من التجمد في الصراع العسكري، بمعنى عدم قدرة أي من طرفيه على إحداث اختراقات نوعية، مع استمرار التصعيد في العمليات العسكرية من الطرفين، وكذلك التصعيد في نوعية الدعم الغربي السخي لأوكرانيا بالسلاح، كما اتضح من القرار الأميركي بتزويدها بقنابل عنقودية والتقارير الخاصة باحتمالات تزويدها بطائرات مقاتلة حديثة، وأخيراً التصعيد في الصراع السياسي من أجل زيادة عزلة روسيا وتضييق الخناق عليها!
وفي هذا الإطار كان من الواضح أن الدوائر الغربية قد فعلت المستحيل لإفشال القمة بالضغط على الدول الأفريقية لثنيها عن الحضور، وإذا كانت قد فشلت تماماً في ذلك، إذ حضرت القمةَ 49 من أصل 54 دولة أفريقية، فإن هذه الضغوط ربما تكون قد نجحت في تقليل مستوى التمثيل، ففي مقابل 43 رئيساً حضروا القمة الأولى حضر القمة الثانية 17 رئيساً فقط، ومُثلت الدول الباقية بمستويات دون الرئاسية. ومع ذلك فقد مضت القمة في طريقها، وناقشت أهم القضايا الملحة في العلاقات، وعلى رأسها قضية الغذاء التي تفاقمت كماً وسعراً بعدم تمديد روسيا للاتفاقية التي تسمح لأوكرانيا بتصدير الحبوب الغذائية. وقد واجه الرئيس الروسي هذه المشكلة بتأكيده عزم روسيا على تزويد الدول الأفريقية بالحبوب، إما على أساس اقتصادي أو بالمجان لـ6 دول حددها بالاسم. كما أكد على مبدأ التبادل التجاري بالعملات الوطنية، وشدد على مكانة أفريقيا كفاعل دولي مهم في العملية التاريخية الجارية لبناء نظام عالمي جديد أكثر عدالة. وإذا كان الصراع الدولي حول أفريقيا لم يُحسم بعد، فمن الواضح أن الغرب قد فقد وضعه الاحتكاري فيها لحساب روسيا والصين.
*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة