«ثريدز».. هل يحل محل تويتر؟
كان هناك نقاش مثير للفضول في نهاية الأسبوع الماضي حول تطبيق «ميتا» الجديد «ثريدز»- وما يثير الفضول أن الرسائل التي تُنشر على «ثريدز» لا تجد أي صدى على الإطلاق. فقد نشر مسافر غاضب على الخطوط الجوية الأميركية رسالة على التطبيق الجديد يسأل شركة الطيران عن سبب إلغاء رحلتها... ولم يجد أي رد فعل. دار هذا النقاش حول الاختلاف الجوهري بين «ثريدز» والموقع الذي قد يحل محله «تويتر».
ربما تكون نفس الشكوى على تطبيق إيلون ماسك قد أدت إلى قيام الموقع باتخاذ إجراءات، والرد على المستخدم خوفاً من أن يرى العشرات، ثم المئات، ثم ربما الآلاف أن المعاملة سيئة. إن خطر الانتشار على «تويتر» - لأسباب خاطئة - هو ما أبقى العديد من الشركات والسياسيين والكيانات البارزة الأخرى تحت المراقبة، إذ إن هذا القرب من السلطة جعل «تويتر» يحقق انجازاً، لكنه جلب عواقب إيجابية وسلبية.
وخوفاً من العواقب السلبية، صممت شركة «ميتا» حتى الآن عن قصد تطبيق «ثريدز» ليكون مكاناً يجهل تعقيدات الحياة. مع وجود 100 مليون مستخدم على التطبيق الجديد اعتبارا من يوم الاثنين، يبدو أن الاستراتيجية تؤتي ثمارها في الوقت الحالي. لكن العديد من الذين انضموا للتطبيق الجديد يتصفحون خلاصاتهم (موجز ما يتم نشره) ويفكرون: من هم هؤلاء الأشخاص؟ ولماذا يتفوهون بهذه التفاهات؟ كل شيء رائع على تطبيق «ثريدز». لا تتأخر الرحلات الجوية.
توصيلات الطعام لا تُفقد. لا ينغمس السياسيون في أعمال تحريضية، والصحفيون لا يفكرون في كل تفاصيل الأخبار العاجلة غير المريحة. بدلاً من ذلك، تتبادل العلامات التجارية مجهولة الهوية «النكات» المرحة مع بعضها بعضاً بينما يبث المؤثرون حكمة مهمة مثل «كن صادقاً مع نفسك». أشياء مملة تماما. فالشركة ليس لديها خبرة في هذا الموضوع.
قال آدم موسيري، المدير التنفيذي لشركة ميتا والمسؤول عن تطبيق «ثريدز» وتطبيقها الرئيس انستجرام، إن هدفه هو إنشاء «منصة حيوية من دون الحاجة إلى الدخول في السياسة أو الأخبار الجادة» كوسيلة لتجنب «التدقيق» و«السلبية».
أقر «موسيري» بأن الأخبار والمحتوى السياسي سيظهران بلا شك على تطبيق «ثريدز»، لكنه قال إن الشركة لن تفعل شيئاً لتشجيعه أو الترويج له، حيث تعتقد ببساطة أنه لا يستحق العناء. هذا منعطف محبط لشركة ادعت في وقت ما أنها تهتم كثيرا بالأخبار الجيدة لدرجة أنها دفعت لمؤسسات إخبارية جديرة بالثقة لإنشاء محتوى مخصص لمنصة «فيسبوك» المباشرة. جاءت هذه المبادرة، وهي واحدة من عدة مبادرات، كرد فعل على الادعاءات بأنها سممت الديمقراطية من خلال السماح للمعلومات المضللة بالازدهار. والآن، تراجعت الشركة عن المشاركة حتى على المستوى الأساسي. أعتقد أنه كلما قلت الأخبار كان هذا يعني أخباراً كاذبة أقل.
وبالمثل، مع اقتراب عام الانتخابات الرئاسية، لن يتم تضخيم المحتوى المتعلق بالسياسة أو من قبل السياسيين أو تشجيعه على تطبيق «ثريدز». قد تكون هذه طريقة لتجنب اتهامك بالتحيز السياسي (على الرغم من أن المنصة ستكون كذلك، على أي حال). فالمنصة التي كانت تتباهى بأنها تهتم بشدة، وأنها أسهمت في تنشيط نسبة الإقبال على التصويت، قررت أن تطبيق ثريدز ليس بحاجة للذهاب إلى هناك.
كثير من الناس سيرحبون بكل هذا. ومن السهل فهم السبب. من منا لا يريد وضع حد للتصفح الفاشل، أو الأسوأ من ذلك، النقد اللاذع العنصري والمتحيز جنسياً الذي ظهر في كثير من الأحيان في خلاصاتنا؟ ألم نعاني بما فيه الكفاية من التدفقات اللانهائية للأخبار السيئة؟ ألم يؤد ضجيج السياسة والبحث اليائس عن الاهتمام إلى انقسام لا يمكن إصلاحه بيننا؟
لقد دفعت هذه المشاعر الناس إلى الاشتراك في تطبيق «ثريدز»، حيث كان الارتياح من الهروب من سموم «تويتر» واضحاً. بعد أسبوع من إطلاق التطبيق الجديد، يتحدث المحللون بالفعل عن «ثريدز» الذي سيولد في يوم من الأيام ما يزيد على 8 مليارات دولار سنوياً كإيرادات إضافية لشركة «ميتا» إذا تمكن من الوصول إلى 200 مليون مستخدم نشط شهرياً.
لكي تتحقق هذه القيمة، يجب أن تكون المشاركة عالية - عالية بما يكفي لجذب عدد كبير من الإعلانات التي تدعم المواقع الاجتماعية. ليس من الجيد بالنسب لثريدز أن يكون تطبيقاً يقوم الأشخاص بتنزيله ثم يراجعونه من آن لآخر. إنه بحاجة إلى حشد إشارات إعجاب قوية، كما هو الحال مع «تويتر»، أو كما كان هو الحال معه.
ولن يتمكن «ثريدز» من تحقيق ذلك إذا استمر في إقصاء العالم الحقيقي. فالأحداث العالمية الجماعية هي التي تمنح الشبكات الاجتماعية القدرة على البقاء: كانت رحلة الخطوط الجوية الأميركية «Miracle on the Hudson» في عام 2009، والتي ظهرت أخبارها لأول مرة على «تويتر»، هي التي أظهرت للناس مدى حيوية الشبكة الجديدة. الزخم الحالي لتطبيق «ثريدز»، الذي أعاد صياغة «ميتا» بأعجوبة كشركة مثيرة، سيفقد قوته بسرعة إذا تم تحول إلى ما يشبه تطبيق انستجرام ولكن بدون صور، شبكة معروفة أولاً وقبل كل شيء كمكان يضفي بريقاً غير واقعي على الواقع.
وأخبار هذا الأسبوع التي تفيد بأن «ميتا» كانت تتعجل لإطلاق أدوات للمعلنين على تطبيق «ثريدز» تُظهر أين تكمن أولوياتها. إذا فقدنا موقع «تويتر»، وهو الأمر الذي أصبح أكثر احتمالاً مع نجاح إطلاق «ثريدز»، فسيظل الجمهور يفتقر إلى مكان مركزي للذهاب إليه عند وقوع الحدث الإخباري الرئيس التالي، سواء كانت كارثة طبيعية أو نهائي كأس العالم.
إلى جانب ذلك، فقدنا قدرة الفرد على جعل صوته مسموعا، سواء كان ذلك لإثارة قضية اجتماعية أو لمجرد تقديم شكوى بشأن شركة الخطوط الجوية الأميركية (والحصول على رد فعل). لن يملأ تطبيق «ثريدز» هذا الفراغ، ولا يبدو أن ميتا تريد ذلك أيضاً. فهذا أمر صعب للغاية وغير مريح ومكلف.
أنشأ الرئيس التنفيذي لشركة ميتا «مارك زوكربيرج» مكاناً آمناً، حسناً – لكنه آمن بالنسبة لأولئك الذين يديرونه ويسعون إلى تحقيق الدخل منه. وآمن، على وجه الخصوص، لأولئك الذين كانوا خائفين من المساءلة العامة التي جعلت تويتر خطيراً للغاية. ويستمر البحث عن بديل.
ديف لي*
*كاتب متخصص في أخبار التكنولوجيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»