تحتفل فرنسا، اليوم، بعيدها الوطني ويسمى «يوم الباستيل»، وفي مثل هذا اليوم في سنة 1789 اقتحم الثوار الفرنسيون سجن الباستيل الذي كان يمثل رمزاً للحكم الملكي آنذاك. أما اليوم فإن يوم الباستيل قد أصبح أكبر وأشهر احتفال يُقام في كل أنحاء فرنسا، ويتميز باحتفالات متنوعة كالألعاب النارية التي تنطلق من برج «إيفل» والحفلات الموسيقية والفعاليات الثقافية، والفعالية الأشهر اليوم في باريس هي العرض العسكري للقوات المسلحة الفرنسية على امتداد شارع الشانزليزيه.

ولأن اليوم هو مناسبة سعيدة في فرنسا، سنحاول الإجابة على سؤال ما مدى عمق العلاقة الإماراتية- الفرنسية؟ ولماذا يهتم كلا الطرفين على بنائها بل وترسيخها منذ 1971؟ وكيف كانت البداية؟ البداية كانت قبل 75 سنة عندما أتت شركة «توتال الفرنسية» إلى أبوظبي في سنة 1939 للتنقيب عن النفط مستخدمة أحدث الوسائل التكنولوجية والابتكارات لتعزيز الإنتاج. وتعتبر «توتال» اليوم الشريك الأكبر لشركة «أدنوك» بالإضافة إلى كونها شريكَ العديد من الشركات الوطنية في مجالات النفط والغاز والكهرباء والأسمدة وقطاعات الطاقة المتجددة. بعد ذلك جاء التعاون بين البلدين في المجال العسكري، ففي سنة 1973 ضمت القوة الجوية في أبوظبي نحو 30 طائرة مقاتلة فرنسية الصنع من طراز «ميراج 3» و«ميراج 5»، واستمر التعاون وتطور في كلا المجالين، وتأسست عندها القاعدة التي بنيت عليها إنجازات مستقبلية متعاقبة في مجالات مختلفة.

وفي 2006 في جزيرة الريم في أبوظبي كان هناك إنجاز جديد، حيث بُني حرم جامعة السوربون أبوظبي، وتُقدم الجامعة أفضل مستويات التعليم العالي الدولي لطلبتها الذين يستفيدون من تاريخ جامعة السوربون في باريس، المتميزة أكاديمياً، والتي تملك تاريخاً عريقاً يمتد إلى 760 سنة.

واستمرت مسيرة تطور العلاقات بين الإمارات وفرنسا، وهذه المرة وُلد النجاح في جزيرة السعديات، وفي نوفمبر 2017 افتتح متحف اللوفر أبوظبي، وهو المتحف الأول من نوعه في المنطقة، حيث جمع ما بين التقدم الثقافي والانفتاح الذي تعكسه رؤية دولة الإمارات من جهة، والخبرة الفرنسية في عالم الفن والمتاحف من جهة أخرى، وفي أمسية حفل الافتتاح الكبير قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في كلمته «إن لوفر الصحراء والأنوار والذي وضعنا معاً هو الإرادة لإطلاق رسالة كونية، هذا المكان يقول لنا إن الجمال شيء كوني مشترك، وإن لوفر الأنوار والصحراء هو رسالة كونية نطلقها معاً ضد كل أشكال الظلامية والانعزال».

بعد افتتاح متحف اللوفر أبوظبي بسنتين، كان الموعد مع نجاح جديد، وهذه المرة في قصر «فونتين بلو»، الذي يبعد قرابة 50 كم من قلب العاصمة باريس، والمسمى بـ«دار الملوك»، كونه لم يرتبط بملك معين، بل إن 34 ملكاً فرنسياً توارثوا القصر خلال 800 سنة، وفي هذا القصر أطلقت الحكومة الفرنسية اسم المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، على مسرح البلاط الإمبراطوري في قصر «فونتين بلو» تقديراً وعرفاناً بمساهمة الإمارات في إحياء وترميم هذا الصرح التاريخي العريق.

وفي مراسم الافتتاح الرسمي لمسرح «فونتين بلو» قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية: «إن رعاية الإرث الإنساني والحفاظ على أصالته وإعادة تقديمه للأجيال القادمة هو واجب حضاري، فلا حضارة دون فن ولا رفاه دون ثقافة». وفي سنة 2019 دشن سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، شارع «جاك شيراك» بحضور ابنة الرئيس الفرنسي الراحل كلود شيراك على أحد الشوارع الرئيسة في جزيرة السعديات بالعاصمة أبوظبي، تكريماً لصديق الإمارات الرئيس الفرنسي الأسبق الراحل جاك شيراك وتقديراً لإنجازاته.

إن العلاقات الإماراتية الفرنسية تتميز بالعديد من السمات التي أكسبتها على مدار العقود الخمسة الماضية أهمية خاصة، وتدفعها باستمرار إلى الأمام، باعتبارها علاقات شاملة ومتنوعة، فبالإضافة إلى جانبها السياسي الفاعل، فإن هناك علاقات اقتصادية وعسكرية وثقافية متميزة، كما أن هذه العلاقات تتسم بالتطور المستمر على المستويات كافة وترتكز على قاعدة صلبة من المصالح المشتركة.

علي الأحمد*

*الوكيل المساعد للسياسات والاتصال الدفاعي بوزارة الدفاع.