حين شاءت حكمة الله عز وجل إيجاد الكون قائماً على ميزة التنوع والاختلاف بين بني البشر، ترتب على ذلك وجود عالَم مشبع بالاختلاف، يتوق على الدوام إلى إيجاد المشتركات الجامعة للأساس الإنساني، والغنية باحترامها سنّة الخلق، إذ قال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ». 
ومن المعلوم ما تحتضن هذه البسيطة بين جنباتها من الاختلافات ذات العلاقة بتحديد اتجاه السلوك الإنساني، لا سيما اختلاف المعتقد الذي لطالما ارتبطت به التعليلات ذات الصلة، والنقد لمنظومة القيم، وفي ذات الوقت فإن الوجود الديني لا يشكل نظاماً تشريعياً وكياناً وجدانياً باثاً للطمأنينة لدى بني البشر وحسب، بل يشكل كذلك صماماً توجيهياً أخلاقياً يتفق في مكارم الأخلاق العامة التي تؤول لصون كرامة الإنسان، والسماح له بالسير الواثق على هذه الأرض بخطوات تدفع بعزائم التطور والتقدم تحت مظلة إنسانية متوازنة. 
وليس من الغريب أو المستهجن ذلك الاتفاق بين الشرائع والرسالات الربانية في تأكيدها وحثها على التحلي بمكارم الأخلاق، باعتبارها صمام الأمان للجانب الاجرائي في شتى المجتمعات البشرية، ويأتي تكرار الإشارة إليها بداعي «إنعاش» الذاكرة الإنسانية بمثل هذا الوجود القيمي السامي، فالإنسان أخو الإنسان. 
ونجد في القرآن الكريم سلسلةً متكاملةً من الوصايا الربانية والأوامر والقصص المبنية على الأخلاق، والتي توجت بالعدل كأكثر القيم ذِكْراً في القرآن الكريم، لحكمة من المولى بضرورة العدل لاستقامة حال الدنيا، تليه مباشرةً الرحمة التي تمثل عصب الاستمرارية السليمة بعيداً عن انحرافات الشذوذ والعداء والانعزال، ليأتي بعدها حيز واسع في الساحة الإجرائية والحياتية المعاشة لتطبيق ذلك وما ينتج عنه من ارتباطات خلقية أخرى تلزم بعضها البعض. لكن يبقى النظر محيَّداً في كثير من السياقات عن هذا المضمون الديني الخلقي لدى العديد من المجتمعات. وقد ترتبت على ذلك تداعيات متعلقة بتكوين صور نمطية، وفكر «متحجر» تجاه الآخر وإزاء «المشتركات الأخلاقية».. وهي ذات الأسباب التي تقف عائقاً في وجه مشروع التسامح على نطاق الأديان من جهة ونطاق الإنسانية من جهة أخرى. ولعل هذا مما ساعد في تكوين ذهنية «نافرة» من التعاليم الدينية خلال العصور الحديث في الغرب، وثمة شيء شبيه بذلك حدث في الإسلام بعد ارتباط النص الديني بجماعات متطرفة قامت باستغلاله وتحوير اتجاهات خطابه، مما حال دون الدخول لعوالم جديدة في النص الشرعي الذي يؤسس لعماد أخلاقي متين. 
ولما جمعته الأديان السماوية من مشتركات أخلاقية وبنيوية قيميّة عديدة، فقد بات من الضروري تثبيت قواعد التسامح الديني وترسيخ ثقافة قبول الآخر، واحترام المعتقدات الدينية والمذهبية الأخرى المختلفة، والتحلي بميثاق إنساني غليظ مشحون بمعاني التواؤم والتسامح والتناغم، انطلاقاً من حق الآخر الديني المختلف، ومن الواجب الإنساني في إعلاء المبادئ السامية المؤدية لارتقاء الإنسانية، وعيشها طورَها الحقيقي والحتمي، اليوم وكل يوم. 

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة