قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول هذا الأسبوع إن سوق العمل في الولايات المتحدة ما يزال «ضيقاً للغاية»، ويبدو أن تقريراً حكومياً صدر في الأيام القليلة الماضية يوضح أن أرباب العمل أضافوا 253 ألف وظيفة في أبريل. لكن التعديلات بالتخفيض لبيانات فبراير ومارس تشير إلى أن اتجاه التحسن الواسع ما زال سارياً. ويشكل هذا معضلة إلى حد ما لصانعي السياسة في جهودهم للسيطرة على التضخم، ويضعهم في الاختيار بين الاستمرار في رفع أسعار الفائدة والمغامرة بدفع الاقتصاد إلى ركود وبين التوقف عن رفع أسعار الفائدة والمغامرة بالسماح لإبقاء التضخم مرتفعاً. وفي هذه اللحظة، الخيار الأخير هو الأفضل.
صحيح أن المكاسب التي تحققت في شهر أبريل المنصرم قد دفعت معدلَ البطالة نحو الانخفاض إلى 3.4 بالمئة فقط، بالقرب من أدنى مستوى منذ الستينيات، لكن بعض الأرقام غير الرسمية، وعلى وجه التحديد، الاتجاه الأساسي في نمو جداول الرواتب في القطاع الخاص، تؤكد حدوث تباطؤ واضح. ومع تعديلات الأيام القليلة الماضية لبيانات فبراير ومارس، تظهر الأرقام الآن أن الولايات المتحدة أضافت نحو 182 ألف وظيفة في القطاع الخاص خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهو أقل عدد منذ يناير 2021. والأهم من ذلك، عاد المتوسط إلى الوضع الطبيعي لما قبل الجائحة. 
وجاء تقرير وزارة العمل بعد أيام فقط من رفع الاحتياطي الفيدرالي سعرَ الفائدة المستهدف للقروض الليلية بين البنوك بمقدار 25 نقطة أساس إضافية إلى ما بين خمسة بالمئة و5.25 بالمئة، وهو ما يطابق أعلى معدل منذ عام 2001. وإذا أثبت التضخم أنه أكثر عناداً مما توقعه كثيرون، يعتقد صانعو السياسة أنه سيتباطأ في النصف الأخير من العام مع التأخيرات «الطويلة والمتقلبة» للدغة تشديدهم النقدي شديد السرعة. وأدى انهيار بنوك سيليكون فالي وسيجنتشر وفيرست ريبابليك في تتابع سريع إلى تفاقم عدم يقين التوقعات الاقتصادية مع تساؤل التجار عن احتمال انهيار بنوك أخرى وتأثير ذلك على إجراءات تشديد الائتمان. 
ويبدو التباطؤ في نمو الوظائف واسعَ النطاق بالفعل، حيث يكون متوسط المكاسب هو الأضعف منذ عام 2021 في البناء والتصنيع والترفيه والضيافة وغيرها من الخدمات. وقد حدثت بعض الانتعاشات الصغيرة المهمة في المعلومات وتوظيف الأنشطة المالية في أحدث التقارير، لكنها قد تكون مجرد لمحات خاطفة. وبشكل عام، يسير الاتجاه في جميع قطاعات الاقتصاد نحو الاعتدال، ولا حاجة لصناع السياسة للضغط بقوة أكبر، خشية أن يتحول التباطؤ إلى انهيار. وربما يكون الاستثناء الوحيد الواضح هو الخدمات الصحية التي ما تزال تضيف الوظائف بوتيرة سريعة إلى حد ما، لكن هذا القطاع يواجه نقصاً في هيكل العمال تفاقم بسبب الجائحة. 
والقلق بشأن سوق العمل «الضيق» ناتج عن منطق منحنى فيليبس القديم الذي سيطر على قرارات البنك المركزي لعقود. وتذهب الفكرة إلى أن سوق العمل القوي يؤدي إلى ارتفاع كلفة الأجور للشركات، وهو ما يتم تعويضه عن طريق رفع أسعار المستهلكين، وإذكاء التضخم باستمرار. ومع ارتفاع معدلات التضخم، يستجيب محافظو البنوك المركزية عادة، جزئياً، بتطبيق سياسة نقدية أكثر صرامةً وذلك أملاً في زيادة البطالة، رغم الأضرار الجانبية الكارثية في كثير من الأحيان للعمال، ورغم المؤشرات على أن التضخم يتجلى بالفعل في العالم الحقيقي كما يتجلى في نموذج المنحنى. وفي نهاية المطاف، لا يشعر صانعو السياسة إلا قليلاً بضرورة «تخفيف ضيق» سوق العمل لترويض التضخم، أثناء تحسسهم الطريق في الظلام. وعبر باول في مؤتمره الصحفي في الأيام القليلة الماضية، عن اعتقاده بأن الزيادات الأساسية في الأجور بنحو خمسة بالمئة قد تكون شديدة الارتفاع وأن ثلاثة بالمئة «ربما تكون أقرب إلى ما يجب أن تكون عليه». لكن هذا مجرد تخمين. 
غير أن باول سارع أيضاً إلى الاعتراف بعدم اليقين الكبير حول هذه الافتراضات. ومع هذا يتعين عليه أيضاً وضع ذلك الشك المتأصل موضع التنفيذ. لقد اتخذ الاحتياطيُّ الفيدرالي الخطوةَ الصحيحة في وقت سابق من هذا الأسبوع بإبداء الاستعداد لوقف زيادات أسعار الفائدة مؤقتاً في الاجتماعات التالية إذا سمحت البيانات بذلك. وهذا ما تفعله أرقام الوظائف خلال الأشهر القليلة الماضية، مما يدل على أن سوق العمل تهدأ حدتها باعتدال وقد يستمر هذا. 

ينشر بترتيب خاص مع خمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»