كل عام وأنتم بألف خير. معايشة تفاصيل التحولات السودانية ليس بالأمر الجديد، وكذلك أمر احتكام أقطابه المتنازعة على السلطة للسلاح، ومهما بلغ نبل المقاصد، فإن الاحتكام للقوة لا يمكن أن يكون توطئة لمشروع دولة مدنية في ظل غياب إرادة وطنية صريحة تخول أحدها توظيف عنصر القوة. إلا أن الهشاشة السياسية الحادة لطالما قادت لفشل الدولة، ويمكن أن يُلمس ذلك في أكثر من نموذج في دول العالم الثالث، وكذلك لمس ما للوعي الاجتماعي من قيمة وقدرة على تحييد نزعة توظيف عنصر القوة.

وبمراجعة القواسم المشتركة في الدول الفاشلة أو الهشة سياسياً واجتماعياً، فإننا نجد أن العرق، القبلية والمذهب يحل مكان الدولة في الأزمات الكبرى. وبمراجعة التطورات في المشهد السوداني، نجدنا أمام نموذج آخر من النماذج الأفريقية مستعصية الهشاشة السياسية والاجتماعية. فتاريخ المؤسسة العسكرية (بخلاف سوار الذهب) ضنين في التفريط بالسلطة. أما تعمق حالة الفراغ السياسي في دولة بحجم السوادان حتى بعد انفصال جنوبه، قد يغري أكثر من طرف إقليمي ودولي بالتدخل لخدمة مصالحه عبر الاستثمار في استدامة حالة الفشل السياسي في الجغرافيا السياسية العربية والأفريقية.

التضامن النسبي بين أقطاب المؤسسة العسكرية والذي أفضى لإزاحة دولة البشير، قد فشل في وضع السودان على مسار انتقالي وطني. أما بروز تباين في الرؤى بين الأقطاب، مرده إما الطموح الشخصي، وذلك شأن طبيعي في ثقافة وفكر الشخصية العسكرية. وقريباً قد تدخل الأزمة أسبوعها الثاني (كتب المقال قبل إجازة العيد) في حال فشلت جهود التهدئة كافة، ومن جملتها حلول عيد رمضان، أو تحقق الحسم العسكري من قبل أحد الأجنحة.

إلا أن مما يبدو، بأن هناك شبه توافق «ما» بقبول الحسم توطئةً لوضع السودان على مسار مرحلة انتقال سياسي حقيقي. هل سيمثل إضافة الملف السوداني لجدول أعمال القمة العربية المرتقبة أو القمة العربية الأفريقية لاحقاً، أي تحد خاص قد يقود لمماثلة حالة الاستعصاء في الملف اليمني عبر تعميد شرعية الطرف الممثل له في القمة، وبذلك تتحول الشرعية من وطنية إلى فردية محصورة في شخص ذلك الطرف.

أما من حيث الأولويات، فإنها بالغة التعقيد وليس أولها عودة سوريا من المنظور الإقليمي، أي عبور عتبة عصية على مسار إعادة الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط وإنهاء هذه المعاناة الإنسانية العبثية. كذلك وضع ملف السلام في الشرق الوسط (السلام الفلسطيني الإسرائيلي) على مسار موازٍ، وقد «يبدأ» بتحقق مصالحة فلسطينية حقيقية وقد يكون من جملة ذلك تعهدها بإجراء مراجعات فلسطينية فلسطينية (خصوصاً بعد حدوث توافق إقليمي على ما يبدو بتحييد قدرات بعض الفصائل الفلسطينية العاملة في جنوب لبنان وغزة)، ذلك بالإضافة لإصلاحات إدارية ومالية وربما الاتفاق على موعد انتخابات رئاسية.

هل سينجح السودان في تجنيب نفسه مشقة واقعه والتجاسر عليه من أجل تحقيق مصلحته الوطنية، وذلك بالتوافق على مسار وطني حقيقي تشارك فيه كل قواه السياسية والمدنية، بالإضافة إلى المجلس العسكري قبل بلوغ موعد القمة؟ ذلك هو ما نتمناه جميعاً، لأن فشل قواه والجهود الإقليمية والدولية في تحقيق اختراق في هذه الأزمة، فإن تعمقها سوف يقود لحرب أهلية لا محالة.

*كاتب بحريني