ما تكشفه وثائق البنتاجون المسرَّبة
أرعب تسريب كنز من الوثائق العسكرية الأميركية السرية، التي أخذ ينتشر بعضها على منصات للدردشة خلال الأسابيع الأخيرة والتي ظهر المزيد منها منذ ذلك الحين، المسؤولين حول العالم، وخاصة في واشنطن، في وقت تسارع فيه مؤسسة الدفاع والاستخبارات لتقييم الأضرار ووزارة العدل لإيجاد أجوبة.
الوثائق تقدِّم نظرة غير براقة إلى تقييمات أميركية رفيعة المستوى للحرب في أوكرانيا، تشمل معلومات تكتيكية حول القوات الأوكرانية قبل هجوم متوقع في الربيع. ولكن التأثير سيكون محسوساً خارج ساحة المعركة أيضاً، إذ تُبين بعض الوثائق بشكل مفصل ما تبدو عمليات أميركية لجمع المعلومات تستهدف حلفاء، من بينهم كوريا الجنوبية وإسرائيل.
وما زال الكثير بشأن هذه التسريبات غير واضح. بعض الوثائق تمت مشاركتها على «ديسكورد»، قبل أن تظهر على «تيليغرام» و«تويتر»، غير أن مصدرها الأصلي غير واضح. ويبدو أن بعض الوثائق الأولى التي انتشرت على نطاق واسع تم التلاعب بها كي تُظهر مشهداً أكثر إيجابية لروسيا في أوكرانيا. هذا في حين يبدو أن وثائق أخرى كثيرة لم تخضع لأي تدخل أو تحريف.
ومن غير المعروف العدد الإجمالي للوثائق التي سُربت، ناهيك عمن سرّبها أو لماذا. وإذا كان حجم الاختراق يبدو أصغر من بعض التسريبات الأخرى الحديثة لمعلومات أميركية سرية، فإن الموضوع الحساس والحداثة النسبية يُعدان مصدر قلق كبيراً بالنسبة للمسؤولين الأميركيين.
ما هي الوثائق المسربة؟
يحتوي التسريب على عشرات الصور من الوثائق الورقية على أقل تقدير. ويبدو أن الوثائق طُبعت وطُويت قبل أن تصوَّر. وتشير بعض الأشياء الموجودة في خلفية الصورة، مثل منظار الصيد، إلى أنها صُورت في الموقع نفسه. العديد من الوثائق عبارة عن إحاطات أُعدت لقيادة البنتاجون، بمن فيهم الجنرال مارك ميلي، قائد هيئة الأركان المشتركة. وتشمل تقييماتٍ من وكالة الأمن القومي، ووكالة الاستخبارات المركزية، ووكالة استخبارات الدفاع، ووكالات إنفاذ القانون، ومكتب الاستطلاع القومي.
معظمهما يحمل علامة السرية. وبعضها يحمل ختم «»NOFORN، بمعنى أنه لا يمكن إطلاع مواطنين أجانب على محتواها. هذا بينما تشير أخرى إلى أن القصد منها هو مشاركتها مع حلفاء الولايات المتحدة المقربين، مثل تحالف «العيون الخمس» الذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. وبعضها يحمل ختم «سري للغاية»، وهي تسمية توجد في أعلى مستوى التصنيفات الأمنية الأميركية. وجُمعت معظم المعلومات التي تتضمنها الوثائق خلال الشتاء ونُشرت في أواخر فبراير وأوائل مارس، وبالتالي، فإنها لا تمثل بالضرورة رأياً حالياً. وتركز الوثائق بشكل كبير على القتال في أوكرانيا، ولكنها توضح بشكل مفصل أوضاعاً جيوسياسية مشحونة أخرى، بما في ذلك تقييمات في الصين وإيران.
ما هي المعلومات التي تكشف عنها الوثائق؟
بالنظر إلى العدد الكبير من الوثائق التي سُربت، فإن الحجم الكامل للأشياء التي تكشفها ربما لم يكشف بعد. غير أن هناك منذ الآن عدداً من التفاصيل التي تلفت الانتباه.
- تعطي الوثائق تقييماً لقوة أوكرانيا العسكرية بعد عام من القتال المحتدم، مشيرة إلى نقاط الضعف في الدفاعات الجوية الأوكرانية والمشاكل المحتملة في إمدادات الذخيرة.
- تصف إحدى الوثائق كيف كادت مقاتلة روسية إسقاط طائرة استطلاع بريطانية يوم 29 سبتمبر قبالة سواحل القرم – وهو حادث كان يمكن أن يكون أخطر بكثير مما أُعلن وقتئذ.
- يوحي التسريب بأن أجهزة الاستخبارات الأميركية اخترقت الجيش الروسي وباتت قادرة على تحذير أوكرانيا من الهجمات الوشيكة. وهناك أيضاً مناقشات للتخطيط الداخلي من قبل وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية ومجموعة فاغنر، المتعاقد العسكري الخاص الأساسي بالنسبة للجهد الحربي الروسي.
- يبدو أن الوثائق تحتوي على تفاصيل حول تكنولوجيا مراقبة جديدة تستخدمها الولايات المتحدة لمساعدة أوكرانيا، بما في ذلك نظام تصوير متطور للأقمار الاصطناعية. ويخشى المسؤولون الأميركيون أن تستخدم روسيا المعلومات لتعطيل هذه التكنولوجيا.
- يوحي أحد التقارير بأن فاغنر قصدت تركيا، وهي حليف في الناتو، وطلبت منها المساعدة في توفير إمدادات. وتشير تلك الوثيقة إلى أن ممثلي فاغنر «التقوا مع مصادر تركية من أجل اقتناء أسلحة ومعدات من تركيا لصالح جهود فاغنر في مالي وأوكرانيا»، باستخدام شكل مختلف في طريقة كتابة اسم المجموعة. ومن غير الواضح حجم المعلومات التي قد تكون تركيا اكتشفتها بشأن هذه الجهود وما إن كانت قد أُكملت.
كيف حدث التسريب؟
حصل التسريب على اهتمام واسع النطاق أول مرة في أوائل أبريل، بعد أن أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن البنتاجون يحقق في الموضوع.
ثم سرعان ما انكب الصحافيون ومحققون آخرون على تعقب الخط الزمني للمنشورات التي تمت مشاركتها على الإنترنت. فوجدوا صوراً لوثائق مسربة على شبكات اجتماعية مثل «تويتر» و«تيليجرام»، وقبل ذلك على 4chan، وهي عبارة عن موقع على الإنترنت مشهور بكرهه للبشر. وأفضى التعقب في نهاية المطاف إلى سلسلة من الرسائل الإلكترونية الأولية على «ديسكورد»، مجموعة دردشة ذات شعبية واسعة بين هواة ألعاب الفيديو والبث عبر الإنترنت، حيث تمت مشاركة صور الوثائق المسربة من قبل أحد المستخدمين مع خادم يدعى «واو ماو» يوم 28 فبراير و2 مارس.
وفتحت وزارة العدل الأميركية تحقيقاً في التسريب وقالت «ديسكورد» إنها تتعاون مع السلطات. وكان الأميركيون الذين يدانون بإساءة استخدام المعلومات السرية في الماضي يواجهون أحكاماً بالسجن لفترات طويلة. غير أن إيجاد مصدر التسريب ليس سهلًا: إذ يُعتقد أن مئات الأشخاص، إن لم يكن الآلاف، قد يكونون وصلوا إلى الوثائق قبل أن يتم تسريبها.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»