«شبكات التواصل».. والصور الوهمية
يوم الثلاثاء في باريس، نشر مستخدم مشهور لـ«تويتر» ثلاثة صور للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو يجري بين شرطة مكافحة الشغب والمحتجين وسط الدخان. الصور، التي شوهدت أكثر من 3 ملايين مرة، كانت مزيفة. ولكن بالنسبة لأي شخص غير متابع لتطور مولِّدات الصور العاملة بالذكاء الاصطناعي، لم يكن ذلك أمراً بديهياً جداً. ووفاء منه لاسمه، لم يضف «لا سياق فرنسياً» أي إشارة أو تعليق للصور.
وكما اتضح لاحقاً، فإن بعض الأشخاص صدّقوا أن الصور صحيحة. فقد أخبرني زميل لي بأن صديقين له على الأقل في لندن سبق لهما العمل في عدة وظائف مهنية عثرا على الصور واعتقدا أنها صور حقيقية من إضرابات هذا الأسبوع العنيفة أحياناً التي أعلنت احتجاجاً على إصلاح نظام المعاشات. وتقاسم أحدهما الصورة في مجموعة دردشة قبل أن يقال له إنها مزيفة. والواقع أن الشبكات الاجتماعية كانت تستعد لهذه اللحظة منذ سنوات.
فقد حذّرت بشكل مفصل من مقاطع الفيديو المزيفة على نحو جد متطور وتعرف أن أي شخص يملك برنامجاً لتحرير الصور يمكنه التلاعب بصور السياسيين وتحويلها إلى صور مزيفة ومثيرة للجدل. ولكن الانفجار الأخير في أدوات توليد الصور، العاملة بما يسمى نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية، يضع منصات مثل «تويتر» و«فيسبوك» و«تيكتوك» في وضع غير مسبوق. فما كان سيستغرق 30 دقيقة ربما أو ساعة لإنجازه على برنامج حاسوبي على غرار «فوتوشوب» يمكن الآن أن يستغرق حوالي خمس دقائق أو أقل على أداة من قبيل برنامج «ميدجورني» (المجاني بالنسبة لـ25 صورة الأولى) أو برنامج «ستيبل دفيوجن» (المجاني بالكامل).
وكلتا هاتان الأداتان ليست لديهما أي قيود على توليد صور الشخصيات الشهيرة. وقد استخدمتُ «ستيبل دفيوجن» العام الماضي من أجل إنجاز «صور» لدونالد ترامب وهو يلعب الجولف مع زعيم كوريا الشمالية كيم جانغ أون، ولكن أياً منها بدت متقنة ومقنعة. غير أنه خلال الستة أشهر التي تلت ذلك، قفزت مولِّدات الصور قفزة كبيرة إلى الأمام. إذ تستطيع أحدث نسخة من أداة «ميدجورني» إنتاج صور من الصعب جداً تمييزها عن الواقع. الشخص الذي يقف خلف اسم «لا سياق فرنسيا»، قال لي إنه استخدم «ميدجورني» من أجل صور ماكرون التي نشرها.
وحين سألتُه لماذا لم يشر إلى أن الصور مزيفة، أجاب بأن أي شخص يستطيع بكل بساطة «تكبير الصورة وقراءة التعليقات ليفهم بأن الصور ليست حقيقية». وظل على رأيه حين أخبرتُه بأن بعض الأشخاص صدّقوا الصور. وأضاف: «نعرف أن هذه الصور ليست حقيقية بسبب كل هذه العيوب»، قبل أن يُرسل لي لقطات شاشة مكبّرة لعيوبها الرقمية. وحين سألته عن الأقلية التي لا تنتبه إلى مثل هذه التفاصيل، خاصة على الشاشة الصغيرة للهاتف المحمول، لم يُجب. إليوت هيجينز، الذي ساهم في تأسيس مؤسسة صحافة التحقيق «بيلينجكات»، نحى منحى مماثلاً حينما نشر على «تويتر» صوراً وهمية ولّدها لدونالد ترامب وهو يلقى عليه القبض، مستغلاً توقعات واسعة- قبل أسبوعين- حول اعتقاله. الصور شوهدت أكثر من 5 ملايين مرة ولم تكن تتضمن أي إشارة. ولاحقاً أعلن هيجينز أنه مُنع من استخدام «ميدجورني».
هيجينز و«لا سياق فرنسياً» كانا يحاولان عمل خدعة فقط، ولكن نجاحهما في جعل عدة أشخاص يصدّقون أن منشوراتهم حقيقية يُظهر حجم التحدي المقبل بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي والمجتمع بشكل عام. يوم الثلاثاء، قام موقع «تيكتوك» بتحديث إرشاداته لحظر المواد الإعلامية المنتَجة باستخدام الذكاء الاصطناعي والتي تهدف إلى التضليل. وفي الأثناء، تقول سياسة «تويتر» بشأن المواد الإعلامية الاصطناعية، والتي تم تحديثها آخر مرة في 2020، إنه لا ينبغي للمستخدمين تقاسم صور وهمية قد تخدع الناس، وإنها «قد تقوم بتصنيف التغريدات التي تحتوي على مواد إعلامية مضللة».
وحين سألتُ «تويتر» لماذا لم تقم بتصنيف صور ترامب وماكرون الوهمية حينما انتشرت انتشاراً واسعاً على الإنترنت، أجابت الشركة التي يقودها إيلون ماسك برمز تعبيري يفيد بالازدراء، الذي بات جوابه التلقائي الجديد على استفسارات وسائل الإعلام. بعض مستخدمي «تويتر» الذين قدّموا صور ترامب على أنها حقيقية بوسوم مثيرة للانتباه مثل «عاجل» تم تصنيفها بفضل «ملاحظات المستخدمين»، التي تسمح للمستخدمين بإضافة السياق إلى بعض التغريدات.
ولكن موقف عدم التدخل المتزايد الذي تتبناه «تويتر» تجاه المحتوى تحت قيادة إيلون ماسك يؤشر إلى أن الصور المزيفة يمكن أن تزدهر على منصته أكثر من المنصات الأخرى. أما منصات «ميتا»، فقد أعلنت في 2020 أنها ستقوم بإزالة المواد الإعلامية المولدة بالذكاء الاصطناعي والرامية إلى تضليل الناس، ولكن الشركة لم تقم بسحب صورة واحدة «لاعتقال ترامب» على الأقل تم نشرها على أنها خبر حقيقي من قبل مستخدم لـ«فيسبوك» يوم الأربعاء. وعليه، فمن الواضح أنه سيصبح من الصعب أكثر على الناس تمييز المزيف عن الحقيقي في وقت تزدهر فيه أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل «ميدجورني» و«تشات جي بي تي».
مؤسس إحدى أدوات الذكاء الاصطناعي هذه قال لي العام الماضي إن الإجابة على هذه المشكلة بسيطة: علينا أن نتكيف. والحق أنني بتُّ أجدني أنظر إلى صور حقيقة لسياسيين على وسائل التواصل الاجتماعي، وأتساءل ما إن كانت مزيفة. ولا شك أن أدوات الذكاء الاصطناعي ستجعل الكثيرين منا متشككين. أما بالنسبة للأشخاص الذين يتم إقناعهم بسهولة، فبوسعهم تزعم أزمة معلومات مضللة جديدة.
*صحفية متخصصة في التكنولوجيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»