ظل التنين2
كل عام وأنتم بألف خير.
هل كان لتوقيت الإعلان عن الاتفاق الثنائي (المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية) برعاية صينية أي دلالة، كون توقيت الإعلان عنه جاء بأيام قُبيل الذكرى العشرين لغزو العراق في 2003، ودخول المفاوضات مع إيران مرحلة الوفاة الاكلينيكية سياسيا؟ وهل نجحت هذه المقاربة في تحييد قيمة هذا الملف من المنظور الإقليمي خصوصا بعد نكوص واشنطن بتعهداتها بوجود مقعدين للملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على طاولة التفاوض؟
تعاطي واشنطن الرسمي مع الإعلان عن الاتفاق برعاية صينية كان عصبياً في مراحله الأولى، إلا إنها سرعان ما آثرت لغة أكثر دبلوماسية في التعاطي مع هذا التطور، بل والادعاء بإطلاعها بشكل مُسبق على كل مسارات التفاوض في بكين (ربما كان ذلك لاحتواء ردود الفعل السياسية أميركيا، أو ربما لوجود مسار آخر سعودي أميركي، مما استدعى كظم الغيظ دبلوماسيا). إدارة الرئيس بايدن باتت على يقين بأن التفاوض مع الرياض هو أجدى من الإمعان في ممارسة الدبلوماسية الفوقية. أما ثانياً، فالأزمة الداخلية الإسرائيلية قد تأخذ أكثر من منحى تصاعدي، وعندها سوف تحتاج واشنطن لجهود حلفائها العرب وأولهم الرياض في احتوائها.
ما قد يوحي بوجود تحول نسبي في نظرة واشنطن تجاه المنطقة هو إسراف إعلامها وبأقلام اعتبارية، في الاعتراف متأخراً بحجم ما مثله غزو العراق من كارثة سياسية وآثار اجتماعية ما زالت محسوسة أميركياً على المستويين الاجتماعي والسياسي. فحرب الولايات المتحدة على الإرهاب تسببت في اختلالات جيواستراتيجية كبرى، وأكبرها التحول في العقيدة الدفاعية الصينية، وخصوصاً إعادة تعريفها بضمانات أمن عمقها الاستراتيجي. ففي حين كانت الولايات المتحدة تتحدث عن استراتيجية دفاعية بحرية تقوم على وجود 350 سفينة قتالية بحلول عام 2045، فإن القوة البحرية للصين ستبلغ 400 سفينة بحلول 2025 وهي تنظر للتحول في قدرة الدفع بالطاقة النووية بشكل جاد، لذلك جاء حلف كواد، وإلزام أستراليا بالتحول من غواصات تعمل بالطاقة التقليدية لأخرى تعمل بالدفع النووي.
ربما لم تحقق استراتيجية الحزام والطريق الصينية أهدافها المرجوة من منظورها وغالبية شركائها، إلا أنها ضمنت للصين تحقيق الانتشار جيواستراتيجيا دون اللجوء لاستخدام أدوات الدبلوماسية الغليظة، وكذلك تطوير مبدأ التكافل الاستراتيجي مع الاتحاد الروسي. فالصين اليوم متواجدة وبثقل متنام في عموم المتوسط، وفي القرن الأفريقي، والمحيط الهندي، وبذلك بات تحقيق الولايات المتحدة لمبدأ تحريم المكان وقابلية النفاذ (A2/ AD) أمراً مستحيلاً، ذلك بالإضافة لمنظومة لوجستية متقدمة وقابلية توظيف قدرات أساطيلها التجارية في احتواء الأزمات أو في دعم عمليات الانتشار. بجين استفادت من دروس الحرب الباردة وأولها حيوية الاقتصاد بعكس ما فعله الاتحاد السوفييتي، وقد مثلت رؤية دينغ شياو بينغ مرتكزا لحالة التحول الفلسفي للحزب الشيوعي الصيني.
تحضرني دائما كلمة معالي الدكتور أنور قرقاش في افتتاح أعمال المنتدى الاستراتيجي في أبوظبي عام 2019، حيث تطرق وبكل شفافية لضرورة تحييد منطقة الشرق الأوسط من كل أدوات التزاحم الاستراتيجي الخشن القائم بين الولايات المتحدة والصين، وذلك لأن المنطقة لم تعد قادرة على القبول بمثل ذلك أو احتمال المزيد منه. على ما يبدو، أن بكين قد وعت الدرس، ويبقى أن تدرك واشنطن مقاصد تلك الرسالة.
* كاتب بحريني