النقل البحرى..والحد من الانبعاثات
تمارس شركة «بي دبليو»، التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها أعمالها التجارية بشكل مختلف عن العديد من مالكي السفن. فإذا تبين أثناء مرور السفينة أن الرصيف لن يكون متاحاً عند الوصول إلى الميناء، فستبطئ السفينة من سيرها حتى يكون مكانها في المرسى متاحاً.
من خلال عدم الاضطرار إلى الانتظار لأيام أو أسابيع في كل مرة، يتم توفير الوقود وتجنب الانبعاثات. في العام الماضي، كانت هذه الاستراتيجية تعادل أكثر من 500 طن متري من الوقود غير المحترق.
وهذه الطريقة الذكية للشحن، المعروفة باسم «الوصول الافتراضي»، كانت موجودة منذ فترة. ولكن مع تسارع أزمة المناخ وكفاح القطاعات المعتمدة على الوقود الأحفوري، مثل شركات الطيران والشحن، لتقليص بصمتها الكربونية، فإن شعبيتها - وشعبية الاستراتيجيات الأخرى الأكثر مراعاة للبيئة، آخذة في الارتفاع.
يعد الشحن الدولي للبضائع والحاويات هو المسؤول عن 3% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية - ما يقرب من 1 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، أي ما يعادل جميع انبعاثات اليابان. على الرغم من ذلك، لم تحقق الصناعة سوى القليل من الخطوات نحو إزالة الكربون، وهي حقيقة تُعزى بانتظام إلى صعوبة إيجاد طرق بديلة لتشغيل السفن الكبيرة.
وضعت المنظمة البحرية الدولية، وهي الوكالة المسؤولة عن تنظيم الشحن، أهدافاً طموحة تهدف إلى خفض الانبعاثات بمقدار النصف على الأقل قبل عام 2050. ولكن مع تضخم التجارة، من المتوقع أن تتضاعف الأحجام البحرية ثلاث مرات بحلول ذلك الوقت. في الواقع، تقر المنظمة البحرية الدولية أن الانبعاثات يمكن أن تكون أعلى بنسبة 30% بحلول عام 2050 إذا لم يتم فعل أي شيء. قال جرانت هنتر، من المجلس البحري البلطيقي والدولي، وهو أكبر اتحاد ملاحي دولي في العالم: «للحد من الانبعاثات، علينا إعادة التفكير في الطريقة التي نؤدي بها أعمالنا».
عادة، عندما يتعاقد مالك السفينة لنقل البضائع، يتطلب العقد وصول السفينة إلى وجهتها في أسرع وقت ممكن، بغض النظر عن حركة المرور في الميناء. سيوافق العميل حتى على تعويض مالك السفينة عن الانتظار عند الإرساء، وهو ما يُعرف باسم غرامات التأخير.
بالنظر إلى الحافز، كان مالكو السفن يسارعون تقليدياً عبر المحيطات، ويحرقون المزيد من الوقود بسرعات أعلى ثم ينتظرون عند الوصول إلى وجهتهم. وفقاً لتقرير عام 2020، تقضي الناقلات وناقلات البضائع السائبة ما يصل إلى 10% من وقتها في انتظار الوصول إلى الميناء. وأثناء الانتظار، تحرق المزيد من الوقود - لكنها تجني المزيد من المال.
على الرغم من أن ممارسة «الإبحار بسرعة، ثم الانتظار» هذه هي إهدار بطبيعتها، إلا أن محاولات القضاء عليها فشلت جزئياً بسبب تعقيدات الوصول إلى شروط العقد التي ترضي جميع الأطراف (وبالطبع حافز الربح).
ويبدو أن هناك استراتيجية مشابهة، وهي «الوصول في الوقت المناسب». بدلاً من إبرام عقد بين مالك سفينة ومستأجر، تنسق الموانئ مواردها مع جميع السفن القادمة لضمان تحسين السرعة للوصول عندما يكون هناك رصيف متاح.
أدت تكاليف الوقود المرتفعة إلى جعل «الوصول الافتراضي» و «الوصول في الوقت المناسب» أكثر قبولا لصناعة الشحن. لكن ما يدفع جاذبية هذه الاستراتيجيات هو اللائحة التي فرضتها المنظمة البحرية الدولية منذ يناير الماضي، وهي مؤشر كثافة الكربون، والتي تتطلب من مالكي السفن تحسين انبعاثات الكربون في سفنهم.
يقول «مينجلي هو»، المحلل الفني في المنظمة البحرية الدولية: «هذه الإجراءات التشغيلية واضحة نسبياً ويمكن تنفيذها اليوم بدون استثمارات ضخمة في التكنولوجيا والبنية التحتية. حتى مجرد التحسين الصغير على نطاق واسع يمكن أن يؤدي إلى توفير كبير في الانبعاثات».
خلص تقرير عام 2022 إلى أن سفن الحاويات يمكن أن تقلل من استهلاك الوقود وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 14% لكل رحلة إذا قامت بتحسين السرعة بهذه الطريقة. تشير الدراسات إلى أن القضاء على أوقات الانتظار في المرسى يمكن أن يقلل انبعاثات الشحن العالمية بنحو 20%.
قال هاريس زوجرافاكيس، المحامي في لندن في ستيفنسون هاروود والمتخصص في القانون البحري، عن استراتيجية الوصول الافتراضي: «إنه ليس حلاً منهجياً؛ إنه حل لمرة واحدة لرحلة لمرة واحدة».
بعض مراقبي الصناعة ليسوا متفائلين أن أياً من هذا سيحدث تأثيراً في الانبعاثات. وقال زوجرافاكيس «في الوقت المناسب سيكون الرسو رائعاً. لكن ذلك لم يحدث منذ عقود، ولن يحدث على نطاق واسع لعقود أخرى».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»