اليوم العالمي ضد الإسلاموفوبيا والكراهية
كان ضرباً من الغفلة نبهنا إليه أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في كلمته الرائعة بمناسبة الاحتفال الأول للأمم المتحدة باليوم العالمي ضد الإسلاموفوبيا والكراهية في 15 مارس 2023.
دولة الإمارات العربية المتحدة كانت سبّاقةً قبل خمس سنوات إلى إصدار قانون يتضمن إجراءات ضد الكراهية وازدراء الأديان. غوتيريش قال إنّ الإسلامَ دينٌ كريمٌ وعالمي، دين للتسامح والسلام، ولا يستحق ما يعانيه أتباعُه في العالَم من اعتداء وامتهانٍ وكراهية. ولأنّ الارتكابات ما تزال موجودةً ومنتشرة، فإنّ الأمم المتحدة رأت المصيرَ إلى اشتراع هذا اليوم العالمي، الذي حصل على شبه إجماعٍ في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل عام. وجرى التنبيه إلى ظاهرة الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة أولاً إثر الأحداث الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، ثم اشتد ظهورها في أوروبا. وكانت المشكلة في الكثير من ظواهرها ومظاهرها بأوروبا على وجه الخصوص أن القوانين تعتبرها داخلةً ضمن «حرية التعبير»، فيجري حدث الكراهية أو التعبير عنه دونما مانعٍ قانوني أو شعبي مع بعض التصريحات السياسية، ثم من بعد ذلك تحدث ردود أفعال عنيفة من جانب المسلمين فتزيد الأمور سوءاً.
ثم تكاثفت موجات الهجرة واللجوء إلى أوروبا خلال الاضطرابات التي عرفتها بعض الدول العربية، فاشتدّت حملات اليمينيين في أوروبا على العرب والمسلمين، وتكررت الإساءات بحقّ النبي صلى الله عليه وسلم وبحقّ القرآن الكريم. وكان الطريف أنه في زمنٍ متقدمٍ جرى في سويسرا استفتاء على منع بناء المآذن، ونجحت حملة المنع!
منذ انتخابه من مجمع الكرادلة عام 2013، دأب البابا فرنسِيس على إدانة الكراهية ضد الإسلام، وعلى الدعوة إلى السلام مع المسلمين. وكثيراً ما أصدر في رسائله السنوية في الأعوام ما بين 2015 و2018 استحثاثات من أجل الضيافة والجوار والحوار السلمي. وتوّج البابا وعيه بالمسؤولية العالية بالاستجابة لمبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حين دعاه مع شيخ الأزهر للاجتماع في أبوظبي وإصدار «وثيقة الأخوّة الإنسانية» في 4 فبراير عام 2019.
وفي الوثيقة التي صار لصدورها يومٌ عالميٌّ في الأمم المتحدة دعوة عالية ضد الكراهية، وحماية المعابد الدينية، ونشر التسامح والاعتدال، والحوار بين الأديان والثقافات. والواقع أنّ الإسلاموفوبيا العنيفة أحياناً ما تزال واسعة الانتشار، وهي دعوة تمييزية تتبنّاها تياراتٌ دينيةٌ وسياسيةٌ في عدة بلدانٍ معروفةٍ في العالم.
إنما من جهةٍ أخرى، ولأنّ المسؤولية عن تفاهم الأديان شاملة، فإنّ المسلمين مدعوون أيضاً لتحمل نصيبهم من هذا العبء. ففي الآونة الأخيرة انتشرت في وسائل التواصُل إعلاناتٌ وبياناتٌ من جانب معروفين ومجهولين، تردّدُ أنماطاً سابقةً من التحريض على التباعد والإنكار. تحت عناوين البراءة والنسخ والتفوق، بل ويزعم بعضها أنّ الحوار بين الأديان يعني الدعوة لدينٍ واحدٍ يذوب فيه الإسلام!
كان خطاب الأمين العام للأمم المتحدة في 15 مارس الجاري رائعاً من حيث فهم مشكلة الإسلاموفوبيا وأضرارها على السلام الديني والعالمي. وكما سارت دولة الإمارات في مسار السلم والتعاون والحوار الديني، فإنّ هذا الخطاب ينبغي أن يظلّ عالي الوتيرة لدى الدول العربية والإسلامية الأخرى، لأنك كما تدين تُدان، ولأن ثلث عدد المسلمين البالغ خمسمائة مليون يعيشون في دولٍ ليست فيها أكثريات مسلمة.
*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية