استدامة العمل من أجل تعزيز التسامح
تنطلق دولة الإمارات العربية المتحدة في جهودها لتعزيز التسامح والتعايش والتقارب بين الأديان والثقافات والحضارات في العالم، من مرتكزات أساسية، من بينها أن استدامة العمل في هذا المجال تستلزم التطوير الدائم للخطط والآليات وأساليب العمل، وتوسيع الآفاق التي تتحرك فيها الأطراف الفاعلة، وضم المزيد من الجهات والأفراد والمؤسسات التي تتقاسم الهدف نفسه في مدّ الجسور بين الشعوب والأمم، والبحث عن المشتركات التي تتيح للبشر جميعاً أن يكرسوا جهودهم لبناء حياة أفضل.
وفي هذا الإطار، وقّع «مجلس حكماء المسلمين»، و«دائرة الحوار بين الأديان» في الفاتيكان، الخميس 9 مارس 2023، مذكرة تفاهم تنصّ على تشكيل لجنة مشتركة دائمة للحوار الإسلامي-المسيحي بين الجانبين، تتضمّن أعمالها عقد اجتماعات سنوية لتنسيق الجهود والمبادرات المشتركة في مجال الحوار والتعايش في كل أنحاء العالم.
وتأتي هذه الاتفاقية، لتكون خطوة جديدة على طريق التعاون بين الفاتيكان و«مجلس حكماء المسلمين»، وهما المؤسستان اللتان استطاعتا من خلال التعاون الخلاق، برعاية من القيادة الرشيدة لدولة الإمارات، تقديم «وثيقة الأخوة الإنسانية»، التي ستظل نصّاً خالداً في تاريخ الإنسانية، مع استهلالها «باسمِ الله الَّذي خَلَقَ البَشَرَ جميعًا مُتَساوِين في الحُقُوقِ والواجباتِ والكَرامةِ، ودَعاهُم للعَيْشِ كإخوةٍ فيما بَيْنَهم ليُعَمِّروا الأرضَ، ويَنشُروا فيها قِيَمَ الخَيْرِ والمَحَبَّةِ والسَّلامِ».
إن السعي من أجل استدامة العمل الخلاق في تعزيز التسامح، إنما ينبع من يقين بأن الاكتفاء بما أُنجز ينطوي على خطر جسيم، ذلك أن القوى التي تعتاش على زرع الكراهية وبث الفرقة والتناحر لا تعرف التوقف، وإذا أُجبرت حيناً على التوقف أمام نمو الوعي الإنساني بأخطارها وشرورها، فإنها لا تلبث أن تطوَّر أدواتها وأساليبها وتستحدث طرقاً للتضليل والخداع تستقطب من خلالها ضحايا جدداً إلى صفوفها، وتجعل منهم وقوداً لمخطّطاتها الخبيثة.
ويمثل العمل المشترك بين «مجلس حكماء المسلمين»، الذي يرأسه فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، والفاتيكان، في ظل قيادة البابا فرنسيس، واحداً من أنجع السبل وأقواها تأثيراً في مواجهة قوى الظلام والكراهية، إذ ينزع من المتطرفين والمتعصبين حججهم الواهية، ويفضح استغلالهم للدين الذي أنزله الله رحمة وسلاماً ومحبة.
ويُقدِّم هذا النوع من العمل الذي تحرص عليه دولة الإمارات، نموذجاً لنمط الحوار الذي ينبغي أن يسود بين الحضارات والأديان والثقافات والأفكار، وضرورة تغذيته بالمزيد من المؤسسات والأفكار والفعاليات والدعم، واجتذاب المزيد من الشخصيات الفاعلة إلى ساحته ممن يمتلكون الوعي والبصيرة والتأثير والمعرفة، بوصفه واجباً لا يقبَل التأجيل، واستثماراً ناجحاً من أجل مستقبل الإنسانية.
* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.