أقمار الطاقة الشمسية الفضائية
تنبَّأ الكاتب الأميركي «الروسي المولد» إسحاق عظيموف، أحد أغزر كتَّاب الخيال العلمي، بإطلاق أقمار صناعية في الفضاء بهدف تجميع الطاقة الشمسية، ومن ثَمَّ تحويلها إلى طاقة كهربائية. ففي روايته المشهورة «منطق» (Reason) المنشورة في عام 1941، تُناط بشخصيتين تُدْعَوان دونفان وباول، مهمة قيادة مركبة فضائية قادرة على استقبال الطاقة الشمسية، وتحويلها موجات ميكروويف، ثم إرسالها لاسلكيّاً إلى كواكب مأهولة بعيدة جدّاً، لكي يُستفاد من الطاقة الكامنة فيها.
واللافت للنظر أن هذا التصور الخيالي تحوَّل -بعد نحو 30 عاماً من صدور الرواية- إلى أحد أكثر الموضوعات دراسةً وبحثاً من علماء الفضاء والهندسة العالميّين، فقد استطاع مهندس فضاء يُدْعَى بيتر جلاسر، في عام 1973، تصميم أول نموذج هندسي فعلي لنظام قادر على استقبال الطاقة الشمسية على متن أقمار صناعية، ومن ثَمَّ بثها أو إرسالها إلى مستقبِلات على سطح الأرض عن طريق موجات الميكروويف، وحصل في إثر ذلك على أول براءة اختراع في هذا المجال.
وتضاعفت الجهود لتطبيق هذه الفكرة فعليّاً في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وطُرحت مشروعات عدة، منها مشروع مشترك بين وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، ووزارة الطاقة الأميركية لبناء 60 قمراً صناعيّاً قادرة على إرسال ما مجمله 300 جيجاوات من الطاقة الشمسية إلى الأرض، ولكنْ سرعان ما أُوقِف المشروع لعوامل عدَّة منها التكلفة العالية جدًّا، التي قُدّرت في عام 2002 بنحو 300 مليار دولار، إضافةً إلى عدم وجود التكنولوجيا المناسبة أو ذات الكفاءة الكبيرة آنَئذٍ.
وتتمثَّل الفكرة الأساسية لنظام بث الطاقة الشمسية لاسلكيًّا في وضع أقمار صناعية مجهَّزة بألواح شمسية على مدارات تبعد مسافات كبيرة جدّاً عن الأرض، قد تصل إلى 35 ألف كيلومتر، وتحوّل هذه الألواحُ الطاقة الشمسية إلى موجات ميكروويف تُبَث باستخدام جهاز يدعى «أنتينا» (Antenna) إلى موقع محدَّد على سطح الأرض مجهَّز بما يُعرَف ب«ريكتنا» (Rectenna)، وهو جهاز يحوّل الطاقة في هذه الموجات طاقةً كهربائية تُضَخ في الشبكة الكهربائية العامة.
وما يميّز هذا النظام عن غيره من الأنظمة المتداولة حاليّاً لاستخلاص الطاقة الشمسية على سطح الأرض أمران مهمان، أولهما أن موجات الميكروويف لا تكاد تتفاعل مع الجزيئات الموجودة في غلاف الأرض الجوي، على النقيض من الأشعة الشمسية الآتية مباشرةً من الشمس، التي يؤدي تفاعلها مع هذه الجزيئات إلى خسارتها ما يقارب 50 في المئة من الطاقة الكامنة فيها.
ويتمثَّل الأمر الآخر في قدرة هذا النظام على إرسال الطاقة على مدار 24 ساعة تقريباً من دون انقطاع، نظراً إلى وجود هذه الألواح في الفضاء، لا على سطح الأرض. واليوم، بعد مرور 50 عاماً على تصميم بيتر جلاسر، تُعيد دول عدَّة منها الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، واليابان، والصين، النظر بجدية كبيرة في المشروع، فاستحدثت جهات ومؤسسات لإجراء بحوث في هذا المجال، فعلى سبيل المثال يُنتظَر في هذا العام أن تطلِق مجموعة من الباحثين في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا نموذجاً مصغراً لأقمار الطاقة الشمسية بغية دراسة الفكرة، واختبار الأنظمة المتعلقة بها، وكذلك تعكف الصين على مشروعات مشابهة يُفترَض أن تكون جاهزة بحلول عام 2025.
وعلى الصعيد المحلي، تملك دولة الإمارات العربية المتحدة -بفضل السياسات المستقبلية الحكيمة- قطاعاً متميزاً ومتكاملاً في مجال بحوث الفضاء، ما يعطيها أفضلية لأن تكون من الدول الرائدة في إطلاق أقمار الطاقة الشمسية مستقبلاً، ولا سيَّما أن الدولة حريصة كلَّ الحرص على تطوير قطاع الطاقة المتجددة.