تكاليف الحرب الطويلة في أوكرانيا
المرحلة المقبلة من حرب أوكرانيا تبدو حتميةً في أواخر الشتاء أو أوائل الربيع، وتتمثل هذه المرحلة في هجوم روسي جديد وهجوم مضاد أوكراني ممكن. ذلك أن منطق التصعيد هو السائد حالياً، إلى جانب اعتقاد متبادل بأن أي اتفاق سلام لن يتأتى حتى يدرك الطرف الآخر أنه لا يمكنه الفوز. الأمل الأوكراني في الكيفية التي سينتهي بها هذا التصعيد وصفها ميخايلو بودولياك، وهو مستشار رئيسي للرئيس فلوديمير زيلينسكي، في مقابلة أجراها معه مؤخراً برونو ماسايس لحساب مجلة «ذا نيو ستيتسمان» البريطانية. ماسايس لخّص الوضع فقال: «إن روسيا ستشرع في بعض الأعمال الهجومية الصغيرة خلال فترة زمنية قصيرة».
بودولياك لا يتوقع حدوث كل ذلك هذا الربيع، مشيراً إلى أن التوقيت يعتمد على الدعم الغربي. ولكن مع تنامي هذا الدعم، وإذا كان على صواب بشأن احتمالية تحقيق نصر تام، فيفترض أن نرى بداياته في الحملة التي تلوح نذرها في الأفق، مع تحولٍ حقيقي على الأرض.
وإذا كان ذلك هو ما سنراه في نهاية المطاف، فإنه سيتعين على الاستراتيجية الأميركية أن تركز على الاختيارات الصعبة التي سيطرحها هذا النجاح من قبيل: مخاطر مقامرة نووية روسية ومخاطر تداعيات أي صراع روسي داخلي على السلطة، والمخاطر الممكنة لنظام جديد أكثر قومية بكثير من النظام الحالي.
غير أننا إذا لم نرَ علامات على تحقق نبوءة بودولياك، وإذا أدى التصعيد المتبادل مرة أخرى إلى طريق مسدود، فإن المحللين الذين يتنبؤون بحرب طويلة سيبدون أكثر تبصراً. وسيتعين على إدارة بايدن أن تقرر ما إن كانت حربٌ طاحنةٌ تمتد إلى 2025 أو أكثر تصبّ في المصلحة الوطنية الأميركية.
في دراسة جديدة من مركز «راند» للأبحاث، يقدِّم صامويل تشاراب وميراندا بريب حججاً قوية على أن الإجابة ينبغي أن تكون لا. فالباحثان يعترفان بأن هناك مزايا تجنيها الولايات المتحدة من صراع ممتد. ذلك أنه إذا مضت حربٌ طويلة تدريجياً على الطريقة الأوكرانية، فإن مزيداً من الأوكرانيين سيتحررون من الاحتلال الروسي، كما أن أوكرانيا ما بعد الحرب يمكن أن تكون أكثر قابلية للنجاح من الناحية الاقتصادية. وعلاوة على ذلك، فإن من شأن حرب طويلة فرض عقوبة مستمرة على روسيا، مما يعزز المعايير ضد الاعتداءات العابرة للحدود، كما أن من شأنه تشجيع زيادة الإنفاق العسكري بين الحلفاء الأوربيين واستمرار انفصال الاقتصادات الغربية عن الطاقة الروسية، وكلاهما أمران يصبّان في المصلحة الأميركية.
ولكن في مقابل تلك المزايا، عليك حساب التكاليف الباهظة. ذلك أن حرباً طويلةً تُبقي على الخطر الحالي المرتفع على نحو خطير لحرب بين الناتو وروسيا وتصعيد نووي. كما أن حرباً نووية تتطلب تدفقاً مستمراً للمال والأسلحة، ما يهدِّد باستنزاف الموارد العسكرية الأميركية في وقت نصعّد فيه تنافسنا مع الصين.
إن حرباً طويلة تقتل الكثير من الناس، أوكرانيين وروساً، وتهدِّد بترك أوكرانيا ما بعد الحرب في حالة سكانية واقتصادية سيئة بشكل دائم. وعلاوة على ذلك، فإن الحرب الطويلة تشكّل عبئاً على النمو الاقتصادي العالمي، وتأثيرها الطويل على أسعار الطاقة والغذاء من شأنه أن يكلّف أرواحاً في أوروبا وفي البلدان الفقيرة عبر العالم.
كما أن من شأن حرب طويلة أن تترك أميركا غير مهيَّأة للقيام بتحول، ليس فقط من أجل مواجهة تهديد صيني ولكن أيضاً ضد أي مفاجآت أخرى يمكن أن يخبّئها القرن الحادي والعشرون.
وبالنسبة للمؤلفين – ولإدارة بايدن، على ما أظن – فإن إمكانية امتداد هذه المخاطر إلى عشرينيات هذا القرن تشكّل أسباباً قوية لخفض التوتر. بيد أن أي خفضٍ للتوتر يتطلب بالطبع استعداد روسيا للتفاوض وتقديم تنازلات حقيقية، وهو ما لم يظهر حتى الآن. وبالتالي فإن السؤال هو ما إن كانت هناك خطوات أميركية ذات مصداقية من شأنها زيادة احتمالية المفاوضات عوضاً عن مجرد تشجيع موسكو على انتظار ما سنفعله.
تشاراب وبريب يقترحان بعضاً من هذه الإمكانيات التي تحاول ربط سياسات مختلفة تجنح للسلام معاً. وعلى سبيل المثال، فإن الوعد بدعمٍ أميركي طويل الأمد لأمن أوكرانيا، من خلال مساعدات منظمة ونوع من الضمانات في حال تجدّد اعتداء روسي، يمكن ربطه باستعداد كييف للدخول في مفاوضات. كما يمكن ربط الوعد برفع بعض العقوبات عن نظام بوتين باستعداد روسيا للتفكير بجدّية في تنازلات قد تقبلها أوكرانيا. والهدف هو أن نُظهر لكييف بعض الحدود لصبرنا وفي الوقت نفسه نعرض استقراراً في علاقتنا، وأن نُظهر لموسكو بعض الإيجابيات الممكنة لتحقيق السلام من دون التنازل عن أي أراضٍ بشكل استباقي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»