التصدي للعنصرية في بريطانيا
مواقف السياسة العامة حين تصل إلى درجة التشدد تصبح مشكلة. والتشدد يفترض أننا نعرف الإجابة على الأسئلة الصعبة، وهذا نادراً ما يحدث. والتشدد يثير غرائزَ المحاكمة لدى المتعصبين، والأسوأ من ذلك، لدى البيروقراطيين البغيضين أخلاقياً. والتشدد خطير بشكل خاص حين يُلحق الضررَ بالسياسات التي لا تشكل قواعدَ المجتمع فحسب، بل مضمونَه العامَّ أيضاً. وهذا بالضبط ما حدث للقضية واسعة النطاق الخاصة بالعلاقات العرقية في بريطانيا. فقد استحوذ التزمّت الذي انطوت عليه جوانح الأكاديميين والنشطاء على مناقشة قضية العرق ليس فقط في الجامعات البريطانية، لكن في الخدمة المدنية وقطاع الشركات. وترتكز هذه العقيدة على عدة افتراضات ثابتة، منها أن التباين في النتائج هو دليل على التمييز، وأن العنصريةَ أمرٌ شائعٌ ومسلَّم به، وأن النتيجة المرغوبة للسياسة العامة، أو في الواقع للشركات، ليست تكافؤ الفرص، لكن المساواة في النتيجة، سواء بين الجماعات العرقية أو بين الأفراد. وهذا طرح استثنائي، التشدد يختفي داخل كلمة «المساواة» المعسولة. واكتسبت هذه العقيدةُ قوتَها على مدار عقود، لكنها أصبحت الآن مهيمنةً.
ويحصل البيروقراطيون الذين يؤيدون هذه الحجةَ على ترقية سريعة في السلّم الوظيفي، إذا كانوا موظفين دائمين. وإذا كانوا مستشارين، فهم يحصلون على تعاقدات كبيرة. والذين يسائلونهم، مثل توني سيويل، وهو مؤلف تقرير حكومي عن الفوارق العرقية، يتعرضون لتوبيخ شديد. وهذا هو السبب في أن المؤتمر الذي عقد في كامبريدج مؤخراً يستحق بعض الاهتمام. وقد جذب المؤتمر نحو 130 شخصاً، معظمهم كانوا من المنتمين لجماعات الأقليات ومن منتقدي هذه العقيدة، أو على الأقل ينتقدون فكرة التشدد بشكل عام. وضم الاجتماع مفكرين أميركيين بارزين مثل جون مكوورتر من جامعة كولومبيا وجلين لوري من جامة براون، وبول جونسون رئيس معهد الدراسات المالية البحثي البريطاني المرموق. ولم يكن الهدف من المؤتمر البحث عن ثغرات في المؤسسة، لكن طرح حلول بديلة للمشكلات المعترف بها.
وكانت هناك ثلاث حجج شديدة الإفحام، الأولى هي أن العلاقات بين الأعراق معقدة وديناميكية، والنظر إلى «العنصرية» باعتبارها قضية لا يمكن تغييرها، لا وجاهةَ فيه أكثر من النظر إلى جميع الأقليات باعتبارها كماً مهملاً بلا تمايز، كما هو الحال في الاختصار الانجليزي بالأحرف الأولي لكل من السود والآسيويون والأقلية العرقية في كلمة واحدة. ويشير معهد الدراسات المالية الذي يرأسه بول جونسون إلى أن الصينيين والهنود في المملكة المتحدة يتفوقون غالباً على البيض في التعليم. واحتمالات طرد التلاميذ السود المنحدرين من منطقة البحر الكاريبي من المدرسة أكبر بثلاث مرات عن التلاميذ السود من أفريقيا. وعلى مدار العقدين الماضيين تحول البنجلاديشيون في إنجلترا من أداء أسوأ بكثير من أداء البريطانيين البيض في الاختبارات الأكاديمية إلى أداء أفضل بكثير.
ويمكن غالباً تفسير الأداء النسبي للجماعات المختلفة بظروف معينة، بدلاً من «العنصرية البنيوية» العامة. لقد عانى الباكستانيون كون كثيرين منهم تم إحضارهم للعمل في صناعة النسيج التي انهارت فيما بعد. واستفاد البنجاليون من تركيز تواجدهم في لندن، حيث ركزت حكومةُ توني بلير المواردَ في تحسين المدارس. وحالياً، قد تتأثر الأعداد الكبيرة من نساء الأقليات اللائي يعملن في تجارة التجزئة بشكل غير متناسب بانتشار أجهزة تسجيل الأسعار الآلية. وهذه الديناميكيات المعقدة مدعاة للتفاؤل. فقد تضطر الأقليات إلى العمل بجدية أكبر لأنها تواجه مجموعةً متنوعةً من العقبات الاجتماعية والاقتصادية، لكن لا توجد قوة متجانسة تمنعها من التقدم.
والحجة الثانية هي أن صانعي السياسة بحاجة إلى تحويل تركيزهم، مما يعيق الناس عن التقدم إلى ما يساعدهم عليه. فما هي المؤسسات التي تغير فرص حياة الناس؟ وكيف يمكننا إعادة إنتاجها على نطاق واسع؟ والتركيز على العنصرية البنيوية والتحيز اللاواعي يشجع على التشاؤم في أحسن الأحوال وثقافة الضحية في أسوأ الأحوال. والتركيز على ما يساعد الناس على التقدم يشجع على الثقة بالنفس والحركة الصاعدة. وتشجع كاثرين بيربالسينج، مديرة مدرسة ميكايلا كومينتي في ويمبلي بارك التي تشتهر بأنها المعلمة الأكثر حزماً في بريطانيا، تلاميذها على تلاوة قصيدة تقول أبياتها الختامية «أنا سيد مصيري/ أنا قائد روحي». فالوصفة للتقدم العرقي ليست تكفيراً، بل طموحاً.
والحجة الثالثة هي أن بريطانيا ليست الولايات المتحدة، فقد ساهمت تجارة الرقيق في تشكيل أميركا، وخاصة الجنوب، بشكل أعمق مما ساهمت في تشكيل بريطانيا، على الرغم من أن المملكة المتحدة بالتأكيد ليست بريئة من هذه التجارة. وانتشار الأسلحة في كل مكان يعني أيضاً أن كل مواجهة بين الشرطة والمواطنين محفوفة بالمخاطر. وحزب المحافظين البريطاني هو أكثر صداقةً للأقليات من الحزب الجمهوري الأميركي. ليس فقط رئيس الوزراء الحالي، ريشي سوناك، وهو من أصل هندي، لكن أيضاً خليفته المحتملة كيمي بادينوش التي هي من أبوين ينتميان لقبائل اليوروبا النيجيرية.
ولا ينبغي لأحد أن يقلل من قوة التحيز العنصري أو استمرار تركة العبودية والاستعمار. فقد أظهرت دراسات متواترة لطلبات العمل أن الأشخاص الذين يحملون أسماء تنتمي لأقليات أكثرُ عرضةً للرفض. وتظهر فضائح الشرطة المتكررة، لا سيما في شرطة العاصمة، أن أكثر الميول المستحقة للاستهجان ما زالت قائمةً. لكن نظراً لأن العنصرية ما زالت تمثل مشكلة (أو مجموعة مشكلات)، فإننا نحتاج إلى تشجيع أكبر قدر ممكن من التفكير الجديد.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»