المهاجرون.. ومخاطر العنصرية
الرجل الذي قتل 3 أشخاص بالقرب من مركز ثقافي كردي في باريس قال للشرطي عند توقيفه، إنه فعل ذلك لأنه «عنصري»!
هكذا بكل بساطة، لم يقل إنه لا يريد مهاجرين في وطنه، أو أنه كان تحت تأثير المؤثرات العقلية، لكنه اختصر كل ذلك بأنه «عنصري». هناك الآلاف يتدفقون بشكل مستمر مهاجرين من أوطانهم الأم، والواقعة عادة خارج الغرب، حيث يعانون عدم الأمان والجوع والقتل، فيظنون أنهم سيجدون الحياة الهانئة الرغيدة خارج أوطانهم، أو خارج حدود فقر الطعام والعلم والحرية.
إنه الجوع الفكري وعدم توافر أي نوع من الحياة الصحية لهم ولأبنائهم، ليفاجؤوا بأنهم حتى خارج وطنهم لا يملكون أي نوع من القرار السليم، لذا، فسيظهر لدينا من يطلقون النار عليهم. وللأسف في هذه الجريمة التي تم ارتكابها في باريس، كان الفاعل رجلاً بلغ من العمر أرذله، حيث تجاوز 69 عاماً، ويلخص تاريخه بأنه رجل «عنصري».
هذا المسلح اختار أن يفتح النار على مركز ثقافي كردي ومقهى كردي قريب في وسط باريس، وأسفر عن مقتل 3 وإصابة 3 آخرين. ورغم أنه تمت السيطرة على القاتل قبل أن تتدخل الشرطة، وتوقفه لتجد أن بحوزته «حقيبة صغيرة» تحتوي على كمية كبيرة من الذخائر. المهاجرون إلى دول الغرب، كما سبق وأن كتبت، يهاجرون هرباً من المعاناة الاقتصادية والقمع لكنهم للأسف يواجهون المزيد من القسوة بسبب العنصرية.
في بعض دول الغرب هناك من لا يرغب في وجود مهاجرين داخل أوطانهم، رغم ذلك تجدهم يرحبون بهم إذا ما كانوا مهرة على سبيل المثال في أي مجال فني أو رياضي، فمن المهاجرين من يحرز البطولات، فيلتقطون معه الآلاف من الصور لأنه عاش وتربى في وطنهم، وأنه يستحق كل هذا الحب وكل هذه الأموال التي تنهمر على البطل المغوار، والذي كان في يوم من الأيام من أبناء مهاجرين، هربوا إما من الحرب أوالفقر، عدا ذلك فالمهاجرون على الدوام معرضون للخطر والاغتيال، والأسهل من ذلك قتلهم والاعتداء عليهم، ويكفي أن يقول أنا عنصري ليختصر مسافات كبيرة يبرر فيها قتله واعتداءه الشنيع.
وكأن كلمة عنصري سوف تمنع عنه السجن أو الإعدام.. المهاجرون إلى الدول الغنية يعملون في وظائف يستحيل في بعضها أن يقوم بها أبناء الوطن، فهم يعملون في كل شيء وأي شيء يأتي لهم ولو بقليل من الموارد المالية. ولكن في بعض الدول الغربية يظل المهاجر مستهدفاً من تيارات متطرفة، تتعامل معه وفق اعتبارات دينية وعرقية. هؤلاء المهاجرين يريدون العيش مثل نظرائهم في بقية دول العالم، لكنهم يفاجؤوا بمن يحمل في داخله كراهية شديدة لهم.
يقول أورهان باموق الحائز جائزة نوبل عام 2006 «لا بد أن نكون على حذر من النزعة إلى تحقير المهاجرين والأقليات بسبب دينهم أو جذورهم العرقية، أو الظلم الواقع عليهم من جانب حكومات الدول التي تركوها خلفهم، ولكن لكي نحترم حقوق الإنسان بالنسبة للأقليات وأن نحترم إنسانيتهم، لا يعني أننا ينبغي أن نتكيف مع كل السلوكيات العقدية أو نتسامح مع هؤلاء الذين يهاجمون أو يسعون إلى الحد من حرية الفكر بما يتماشى مع القواعد الأخلاقية لتلك الأقليات».
* روائية وكاتبة سعودية