يُعَدُّ الطب من أنبل العلوم الإنسانية، لِمَا فيه من حفظ للروح والبدن. وقد ورد عن الإمام الشافعي قوله في فضل الطب: «لا أعلم بعد الحلال والحرام أنبل من الطب». ولحسن الحظ يشهد تخصص الطب البشري إقبالاً جيداً من أوائل طلاب وطالبات الثانوية العامة في كل عام، وهذا أمر مرغوب فيه لسد حاجة القطاع الصحي في الدولة، ولا سيَّما من الأطباء المتخصصين في جميع فروع الطب.
ولا بدَّ من أن تكون دراسة الطب البشري لدى المتقدم غايةً في حد ذاتها، فإن كانت كذلك أضحت مهنة المستقبل وهواية ممتعة في الوقت نفسه، وهذه الرغبة الخالصة في علاج المرضى، والشغف المحموم لمساعدة الآخرين، يأتيان في مقدمة السمات المميزة للطبيب المبدع في عمله، فالطبيب ملتزم تجاه مرضاه بأداء مهامه الإنسانية في جميع الظروف والأحوال، ولنا في جائحة «كوفيد-19» درس وعبرة.
وقد اطلعت من خلال عملي في مجال القبول والتعليم الطبي على بعض المعتقدات والآراء المغلوطة لدى الطلبة المتقدمين وأولياء الأمور الكرام على حد سواء، ومنها أن كل ما تتطلَّبه دراسة الطب ثم ممارسة المهنة هو الذكاء الأكاديمي، نعم، الذكاء الأكاديمي مطلوب، ولكن هناك سمات أخرى لا تقل أهمية يجب توافرها لدى الراغبين في الانضمام إلى هذه المهنة السامية، وعلى سبيل المثال، الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي لدى الطبيب يساعدان على نحو فاعل في فهمٍ أعمق للعلاقات الإنسانية، وبناء لغة حوار متبادلة مع المريض وذويه، وكم من طبيب نابغة عزف عنه مرضاه لغياب أو ضعف مهارات التواصل الاجتماعي أو مشاعر التعاطف مع الآخر لديه.
كما يجب فيمَن يتقدم إلى دراسة الطب التحلي بأخلاقيات المهنة، مثل الصدق والأمانة والمثابرة والاجتهاد وحب المساعدة، وهذه الصفات الخُلقية الحميدة ينشأ عليها الإنسان، وتنمو معه، فتصبح جزءاً لا يتجزأ من سماته الشخصية. ولا توجد مهنة توازي مهنة الطبيب من حيث الثقة الممنوحة له من المريض، وامتياز الاطلاع على أدق خصوصياته ونمط حياته، وهنا يكمُن عِظم المسؤولية والشعور بالأمانة، فالطبيب مؤتمَن على أجساد الناس وخصوصياتهم.
أضفْ إلى ما سبق طبيعة المهنة المحفوفة بالمخاطر أحياناً، وساعات العمل الطويلة غالباً، فالمهنة تتطلب - بلا شك - قدرة جسدية عالية على احتمال الضغط النفسي، والمقدرة على التفكير المنطقي التحليلي السريع لاتخاذ القرار المناسب لكل حالة على حِدة. وبناءً على ذلك أنصح الطلبة المتقدمين إلى دراسة الطب بأن تكون هذه الرغبة نابعة من الذات، وألا تأتي في سبيل المكانة الاجتماعية، أو العائد المادي، أو إرضاء أحد أفراد الأسرة، فالرحلة طويلة، والجهد المبذول متواصل، ولن ينتهي بالتخرج. وهذه النصيحة ستزيد الراغبين تعلقاً وحماسة، لأنه لا يوجد لديهم ما يضاهي الطب متعةً وتحدياً. أما مَن أصابتهم هذه الكلمات بالتردد والقلق، فأرجو منهم معاودة التفكير والمشورة.