تُعد الطاقة النووية موضوعاً مناسباً دائماً لإطلاق جدل على الإنترنت، غير أنها في الحياة الحقيقية شيءٌ يَتفق حوله قادةُ كلا الحزبين إلى حد كبير. لكن للأسف يبدو أنه لا «الديمقراطيون» ولا «الجمهوريون» أخبروا «هيئة الرقابة النووية» بذلك. 
في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، روّجت وزارةُ الطاقة الأميركية لـ11 مشروعاً بارزاً في مجال الطاقة النووية. وشملت تلك المشروعات 170 مليون دولار لتمويل الأبحاث، واختيار موقع أول مفاعل معياري صغير لأميركا في ولاية آيداهو، و«دراسة خيارات متعددة لتوفير كميات صغيرة من اليورانيوم منخفض التخصيب» من أجل مشاريع الاختبار والتجربة. وفي عهد الرئيس بايدن، ازدادت هذه المبادرات وتكثّفت، إذ اشتمل «قانون تقليص التضخم» على زيادة في التمويل لليورانيوم منخفض التخصيب بـ15 ضعفاً، وجعل الطاقة النووية مؤهلةً للاستفادة من الائتمان الضريبي، وخصص 150 مليون دولار لمشروع آيداهو وأنشطة مرتبطة به. والهدف من كل ذلك هو تطوير جيل جديد من مفاعلات الانشطار الصغيرة يمكنها حلّ مشاكل الكلفة التي تعاني منها مفاعلات الماء الخفيف التقليدية منذ السبعينيات. 
ومثلما أشار إلى ذلك زميلي ليام دينينج في «بلومبرج أوبينيون»، فإن هناك مجموعة من الشركات التي تشتغل حالياً على تكنولوجيات المفاعلات الصغيرة، لكنها تعتمد جميعُها استراتيجيةً متشابهةً إلى حد كبير: ذلك أنها تريد صنع مفاعلات صغيرة بما يكفي لصناعتها في مصانع ثم تجميعها في الموقع. فالإنتاج بكميات كبيرة مفهومٌ أثبت قيمتَه مراراً وتكراراً في خفض التكاليف. 
ولعل الأهم من ذلك هو مسألة السلامة؛ فمن الناحية العملية تُعد الطاقة النووية آمنةً للغاية، فهي أقلُّ أمناً بقليل من الطاقة الشمسية، وأكثر أمناً بقليل من طاقة الرياح، وأكثر أمناً بكثير من الوقود الأحفوري. غير أن محطات الطاقة النووية يمكن أن تتعطل بشكل مذهل، بدلاً من قتل الناس بالسخام على نحو بطي وأكيد، ولهذا تخضع لمعايير سلامة أكثر صرامةً من تلك المطبَّقة على محطات الوقود الأحفوري. 
ويفترض أن تكون المفاعلات الصغيرة قادرةً على بلوغ مستويات أداء مماثلة، لكن بطرق أبسط بكثير؛ إذ يمكن إيقاف تشغليها وحسب في حال تعطلها، بدلاً من الحاجة إلى أنظمة تبريد كثيرة وزائدة عن الحاجة، وتحتاج بدورها إلى نُسخ وأنظمة احتياطية متنوعة. 

ولكن لاختبار النظرية التي مفادها أنه يمكن إنتاج المفاعلات المعيارية الصغيرة بكميات كبيرة بطرق موفِّرة للتكلفة، ينبغي أن يكون المرء قادراً على صنعها في الواقع. فهذه لن تكون عمليات عملاقة مصممة حسب الطلب، لكل واحدة منها عملية بناءٍ خاصة وفريدة وإشرافٌ تنظيمي يستغرق وقتاً طويلا. لكن الشركات تحتاج لطريقة لإثبات سلامة تصميم مفاعلها ثم الحصول على الموافقة للشروع في صنعها وبيعها. 
في يناير 2019، وقّع ترامب «قانون الابتكار والتحديث في الطاقة النووية» («نيما»). ومن بين بنود هذا القانون بند يوجِّه «هيئة الرقابة النووية» بتحديد خطواتٍ عمليةٍ للترخيص للمفاعلات المعيارية. ومثلما قال السيناتور «الديمقراطي» شيلدون وايتهاوس حينَها، فإن القصد هو «منح مؤسستنا الرقابية النووية المرونةَ التي تحتاج إليها لتشغيل مفاعلات آمنة وجديدة من أجل إنتاج طاقة خالية من الكربون». 
لكن بعد مضي نحو أربع سنوات على ذلك التاريخ، فإن هيئة الرقابة النووية لم تنجز أي شيء حتى الآن. وبدلاً من إخراج قانون جديد أكثر بساطةً يجعل صنع مفاعل ممكناً، نشرت الهيئة في 30 سبتمبر مسودةَ قانون تتألف من 1252 صفحة يقول خبراء إنها أكثر تعقيداً من اللوائح السابقة. ومثلما يشرح «معهد بريكثرو»، فيمكن القول إن «هيئة الرقابة النووية» اكتفت بعملية نسخ ولصق للأحكام والقواعد الإرشادية القديمة، ثم أضافت إليها أخرى جديدة. وقد تمسكت الهيئة، على نحو خاص، بمعيار «أدنى حد معقول يمكن بلوغه» بخصوص الإشعاعات، وهو ما يجعل من المستحيل من الناحية الاقتصادية على الطاقة النووية أن تنافس الوقود الأحفوري. 
ما المشكلة في استهداف مستوى متدنٍّ من خطر الإشعاعات؟ مبدئياً، لا شيء. 
غير أنه مثلما أن هناك مخاطر صحية للإشعاعات ولحرق الوقود الأحفوري، هناك بالمثل مخاطر صحية مرتبطة بانقطاعات الكهرباء وأزمة الطاقة. وإذا كانت محطات الفحم والنفط والغاز تُنظَّم مِن قبل «وكالة حماية البيئة» ضمن إطار الكلفة والعائد الذي يقتضي استخدامَ تكنولوجيات مضادة للتلوث، وكانت كلفة خفض السخام تتجاوز فائدة رخص الكهرباء، فإن الطاقة النووية ليست ضمن ذاك الإطار، لأنها بكل بساطة تتطلب حمايةً صحيةً أكبر بغض النظر عن الكلفة. لكن من الناحية العملية، هذا الأمر لا يؤدي إلى إنشاء محطات نووية باهظة وآمنة للغاية، وإنما إلى استخدام محطات وقود نووي أقل خضوعاً للتقنين والتنظيم. وهذا يتعارض مع سياسات الحكومة الفدرالية المعلَنة. ففي أغسطس الماضي، ذهبت وزيرة الطاقة جينفر غرانهولم إلى «مختبر آيداهو الوطني» للترويج للبحوث التي تجريها المنشأةُ حول المفاعلات المعيارية الصغيرة وللترويج لإيجابيات الطاقة النووية في المساعدة على مكافحة تغير المناخ. موقف كرره مبعوث المناخ الأميركي جون كيري في أواخر أكتوبر الماضي، حين أعلن بفخر عن اتفاق لتبادل التكنولوجيا النووية مع بولندا في تغريدة على تويتر تقول إن «الطاقة النووية طاقةٌ نظيفةٌ». بل إن إدارة بايدن تقدّم حالياً مساعدةً ماليةً لمشروع إنشاء مفاعل معياري في رومانيا. 
غير أن هذه التطلعات لن تحقق هدفها إلا إذا تناغمت «هيئة الرقابة النووية» مع أهداف البلاد، وهذا يعني أن على مسؤولي الهيئة (من السياسيين) أن يقوموا بعملهم الذي يتطلب في هذه الحالة رفض قرارات الموظفين ومطالبة الهيئة بالعودة بقانون أفضل، قانون يفضي إلى بناء مفاعلات حقيقية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنينيج آند سينديكيت»