عندما سُئل في عام 1966 حول مقترح لتحويل إحدى غابات ولاية كاليفورنيا إلى متنزه وطني، قال رونالد ريغن الذي كان مرشحاً آنذاك لمنصب حاكم الولاية: «إن الأشجار مجرد أشجار، كم من الأشجار يحتاج المرء للنظر إليها؟». هذا التصريح موجود في كتاب «دائم الخضرة.. إنقاذ الغابات الكبيرة لإنقاذ الكوكب»، لمؤلفيه جون ريد، وهو عالم اقتصاد وناشط بيئي، وتوماس لافجوي، وهو عالم بيئة متخصص في الغابات الاستوائية. الخبر السار هو أن خمس غابات ضخمة جداً لا تزال سليمة إلى حد كبير، وهي غابة الأمازون، وغابة شمال أميركا الشمالية، وغابة التايغا في روسيا وأقصى شمال أوروبا، وغابة جزيرة غينيا الجديدة، وغابة حوض الكونغو. هذه الغابات تمثّل أكبر خزانات للتنوع البيولوجي للكوكب، حيث يتواصل التطور إلى اليوم وحيث ما زالت آلاف الأنواع لم تُكتشف بعد. غير أن الأضرار التي لحقتها والتهديدات التي تحدق بها حقيقية. فالبرازيل وحدها خسرت عشرات آلاف الكيلومترات المربَّعة بسبب قطع الأشجار والحرائق الضخمة التي تعقب توغل الأنشطة البشرية. وفي هذا الإطار، يحذّر المؤلفان من أننا أخذنا نقترب على نحو خطير من نقطة اللاعودة، حيث قد تؤدي الخسائر في غابة الأمازون إلى تحول النظام البيئي برمته على نحو لا يمكن إيقافه إلى مناطق أجفّ وأشبه بالسافانا الأفريقية.
والحق أن الآفاق تبدو أقل خطورة قليلاً في الغابات الكبيرة الأخرى، حيث الضغوط السكانية ليست بالحدّة نفسها التي نجدها في الأمازون، غير أنها كلها تواجه تهديدات جرّاء قطع الأشجار وشقّ الطرق إلى جانب تغير المناخ الذي سيجعل من الصعب على كثير من الأنواع شديدة التأقلم الاستمرار في العيش حيث تعيش الآن. ولعل الحجة الأقوى للحفاظ على سلامة الغابات هي أنها تمثّل خط الدفاع الأول بالنسبة للكوكب في وجه الاحتباس الحراري. ذلك أن الغابات الكبيرة «تحرق الكربون» الذي تنفثه حضارة البشر الصناعية في الهواء. كما أن الغابات في المنطقة القطبية الشمالية والغابة المطرية في الكونغو تحتوي، تحت السطح مباشرةً، على طبقة كبيرة من المواد النباتية المتحللة جزئياً وأنواع من الطحالب التي تُعد أكبر خزان للكربون على الكوكب. وعلاوة على ذلك، فإن الأشجار تظلّل كوكب الأرض، والأوراق تترشح، ما يؤدي إلى تبريد مناطق بأكملها من الكوكب بالطريقة نفسها تقريباً التي يحمي بها التعرّق أجسامَنا من الحرارة المفرطة. وفضلاً عن ذلك، فإن الحفاظ على الغابات أرخص من تطبيق مخططات تعتمد على التكنولوجيا لخفض الحرارة، مثل احتجاز الكربون، أو الإمساك عن استخدام الوقود الأحفوري. ويقول المؤلفان في هذا الصدد: «إن الإبقاء على الكربون في الغابات الاستوائية يكلف خُمس ما يكلّفه تقليص الانبعاثات الناجمة عن الطاقة والصناعة في الولايات المتحدة أو أوروبا». والواقع أن المؤلفَين لا يحاججان ضد تقليص الانبعاثات، وإنما يقولان «إن حسابات الإبقاء على عالمنا قابلاً للحياة لا تستقيم» من دون الحفاظ على الغابات الضخمة، التي تؤثر تأثيراً بالغاً على استقرار المناخ العالمي. ومما يُحسب لريد ولافجوي أنهما لا يكتفيان بالدفع بحجج نفعية من أجل التدليل على ضرورة الحفاظ على الغابات، وإنما يوردان كذلك قصصاً ومعلومات حول ما تعنيه الغابات تقليدياً بالنسبة للشعوب التي تعيش فيها. وفي هذا السياق، يروي المؤلفان أنه في غينيا الجديدة، حيث تقسّم الجبالُ تضاريس المنطقة وتعزل بعضها عن بعض، توجد أكثر من ألف لغة، أي أكثر من كل اللغات الهندية الأوروبية مجتمعة. كما نكتشف أن الغابات الضخمة ليست مجرد بؤر ساخنة للتنوع البيولوجي، ولكنها أيضاً أرضية لتنوع كبير في الثقافات، «حيث لكل واحدة منها طريقتها الفريدة في النظر إلى الواقع». المايبرات، وهي إحدى القبائل النائية في غينيا الجديدة، ليست لديها في لغتها كلمة مقابلة لـ«الطبيعة» كمجال منفصل عن البشر، ولا كلمة معادلة لـ«غابة»، وإنما مجموعة متنوعة من المصطلحات لأماكن مختلفة داخلها وللعلاقات معها. وفي لغة إحدى القبائل المحلية في البرازيل، لا توجد كلمات للقول إنك تملك الأرض. ولعل كينامبا، وهو من هنود الماروبو من وادي جافاري في البرازيل، كان يتحدث باسم الكثير من السكان المحليين في الكتاب عندما قال: «إن الغابة جزء من عائلتنا. عندما ننظر إلى الغابة، لا نرى أشجاراً فقط، بل نرى حيوات. حيوات تحتاج إلينا تماماً مثلما نحتاج إليها». كتاب «دائم الخضرة»، وعلى الرغم من كل الدقة المعرفية والأكاديمية التي يتضمنها بين دفتيه، إلا أنه يظل في النهاية نداءً نابعاً من القلب من أجل إنقاذ آخر المناطق البرية الكبيرة في العالم صادراً عن رجلين وقعا في حبها بعد احتكاك مهني طويل. والأرجح أن القرّاء سيجدون شغفهما معدياً جداً.
محمد وقيف
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنينج آند سينديكيت»
الكتاب: دائم الخضرة.. إنقاذ الغابات الكبيرة لإنقاذ الكوكب المؤلفان: جون دبليو. ريد وتوماس إي. لافجوي الناشر: دبليو. دبليو. نورتون آند كومبني تاريخ النشر: مارس 2022