«التسوية الجزائية».. عدل ورحمة
استحدث المشرّع الإماراتي نظاماً للتسوية الجزائية هو الأول من نوعه عربياً، حيث تَعرض النيابةُ العامة في جرائم الجنح على المتهم الذي توجد أدلة كافية لإحالته إلى المحكمة الإعفاءَ من المحاكمة وعدم صدور حكم ضده وبالتالي عدم تسجيل سابقة قضائية عليه، مقابل موافقته على توقيع بعض العقوبات أو التدابير عليه. وفي جرائم الجنايات تعرض على المتهم الذي توجد قرائن قوية على ارتكابه الجريمةَ الاعترافَ بها تفصيلاً مقابل الطلب من المحكمة تخفيفَ عقوبته.
وينقسم هذا النظام الذي سيُعمل به اعتباراً من السنة القادمة إلى قسمين، الأول خاص بالجنح، والجنحة هي الجريمة المعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى ثلاث سنوات، والغرامة التي لا تقل عن ألف درهم ولا تجاوز خمسة ملايين درهم. والثاني خاص بنوع محدد من الجنايات، وهي المعاقَب عليها بالسجن المؤقت من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة.
وفي الجنحة، استثنى النظام من مجال تطبيقه جرائم القصاص والدية، وجرائم أمن الدولة، وجرائم الأحداث، والجرائم التي لا يجوز النزول بالعقوبة المقررة لها، والجرائم التي تطبق عليها النيابةُ العامةُ أحكامَ الأمر الجزائي، والجرائم المرتبطة إذا كانت إحداها لا يسري عليها نظام التسوية.
ويمكن للنيابة أن تقترح على المتهم في الجنحة قبولَ توقيع واحد أو أكثر من العقوبات أو التدابير الآتية:
1- سداده غرامة بما لا يزيد على نصف حدها الأقصى، 2- تخليه عن الشيء الذي استخدمه في الجريمة أو تحصّل عنها، 3- سحب ترخيصه لمدة محددة أو إلغاؤه، 4- إغلاق منشأته أو وقف نشاطه التجاري لمدة محددة، 5- أداء الخدمة المجتمعية، 6- حظر ارتياده بعض المحال العامة مدة محددة، 7- حظر استخدامه وسائل اتصال معينة مدة محددة، 8- إلزامه بالتعويض عن الضرر الذي ألحقه بالمجني عليه.
أما في الجناية، فإلى جانب العقوبات المار ذكرها، فالنيابة تقترح على المتهم الحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات.
ولئلا تجتمع في يد النيابة العامة سلطة الاتهام والحكم، فلا بدّ أن تعرض التسوية على المحكمة المختصة لتنظر في صحة الإجراءات والملاءمة وعدم البطلان، وللمحكمة المصادقة عليها أو رفضها. وما دمنا نتحدث عن تسوية، فمن البديهي اشتراط قبول المتهم بالتسوية المعروضة عليه، إذ لو رفضها يصبح العرض كأن لم يكن، ويكون للنيابة العامة التصرف في الدعوى بالطريقة العادية.
وقد راعى المشرّع أنّ المتهم قد لا تسعفه إمكانياته الذهنية وثقافته القانونية في معرفة مصلحته بقبول التسوية أو رفضها، لذلك أوجب وجود محامٍ للمتهم في تسوية الجناية، وأوجب على النيابة إعلام المتهم في تسوية الجنحة بحقه في الاستعانة بمحام.
نظام جديد مستحدث من شأنه سرعة الانتهاء من الدعاوى الجزائية وتخفيف العبء على المحاكم وتبسيط إجراءات التقاضي واختصار الوقت والجهد والنفقات على أطراف الدعوى الجزائية، وأهم ما في النظام أنه يحقق فكرة العدل من جهة، وفكرة الرحمة من جهة أخرى، فالمتهم أخطأ، ولا بدّ من عقابه، لكنه مع هذا يستحق الرحمة.
*كاتب إماراتي