الإمارات في عام: القفز إلى المستقبل
مر عامٌ كامل من عمر دولة الإمارات، وها نحن نحتفل بعيد الاتحاد الأول في الخمسين الثانية. وقد استوقفتني خلال العام الذي مضى ثلاثة أحداث مهمة، لها دلالاتها العميقة في تطور هذه الدولة الفتية، وما يمكن أنْ تُقدمه للعالم من حولها. أول هذه الأحداث هو تدشين مرحلة الانطلاق، كونها الدورة الجديدة من التنمية الشاملة، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في 14 مايو الماضي.
وما لفت نظر المراقبين الأجانب هو الآلية السلسة لانتقال السلطة على المستويين المحلي والاتحادي عقب وفاة المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، والتي تختلف عن أساليب الخلافة السياسية المتبعة في منطقة الشرق الأوسط. والملاحظة الثانية أنّ مرحلة الانطلاق تتأسس على منظورٍ فكري جديد، قوامه مبادئ الخمسين العشر، أهم معالمه تقوية التجربة الاتحادية الرائدة والملهمة في العالم العربي، عن طريق ترسيخ أساسها القيمي المؤلف من قيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والعدالة وتعزيز صورتها الإيجابية في الخارج.
كما يريد هذا المنظور إلى تأسييس الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم، والتركيز على رأس المال البشري كونه المحرك الرئيسي المستقبلي للنمو، وتحقيق التفوق الرقمي والتقني والعلمي، ومتابعة سياسة خارجية متوازنة تقوم على حسن الجوار وتستهدف خدمة المصالح الوطنية، وخاصة الاقتصادية، للدولة وتسهم في نشر السلام ومساعدة الشعوب الأقل حظاً في العالم.
وقد تمت ترجمة هذه المبادئ في رؤية «نحن الإمارات 2031»، التي أعلنها مؤخراً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والتي تُعد قاطرة الإمارات إلى المستقبل. تبدأ الرؤية بـ«نحن»، وهي أولى كلمات دستورنا الدائم، أساس الاتحاد، لنقل الدولة إلى آفاق مستقبلية جِد طموحة في مجالات التعليم والتنمية البشرية والاقتصاد الجديد والتنمية المستدامة والأمن السيبراني، تلائم مرحلة الانطلاق.
وتستهدف الرؤية، ضمن ما تستهدفه، زيادة حجم الاقتصاد الوطني ليكون ضمن أكبر عشرين اقتصاداً في العالم، ورفع مستويي التنمية البشرية والأمن الغذائي لتكون الإمارات ضمن أفضل 10 دول في العالم، وأن تكون الدولة المركز العالمي للاقتصاد الجديد والداعم الأبرز للتعاون الدولي، وأن تشكل المنظومة الأكثر ريادةً وتفوقاً في ظل فضاءٍ سيبراني آمن. وكان إطلاق «المستكشف راشد» إلى سطح القمر في 30 نوفمبر المنصرم ذا دلالتين مهمتين.
أولهما تزامن الحدث مع يوم الشهيد. ورسالة القيادة الرشيدة هنا واضحة، وهي أننا «نحن الإمارات» إذ نقفز إلى المستقبل لا ننسى تضحيات خير الرجال من شهدائنا الأبرار الذين كانوا درع الوطن الواقي. وثانيهما أنّ الإمارات باتت تُسهم بالفعل في استكشاف الفضاء وسبر أغوار الكون من حولنا بما يخدم التطلعات الإنسانية إلى مستقبل أفضل.
فبعد أن حط «مسبار الأمل» على كوكب المريخ، أعلنت الدولة عن خطة طموحة لاستكشاف الزهرة وحزام الكويكبات في مجموعتنا الشمسية، تبدأ في 2028 وتنتهي عام 2033، وها هي تستكشف القمر. وإذن، عاد عيدُ الاتحاد هذا العام بأمرٍ فيه تجديد، على عكس ما كان يظن «أبو الطيب المتنبي» في أعياده.
*خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية