الذكاء الاصطناعي وتعزيز الرسالة الإعلامية
على مر العقود الماضية، لم يتوقف العلماء من التفكير بإمكانية تصميم آليات تحاكي ذكاء الإنسان أو ما يعرف بالذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة.
في عام 1950، بدأ عالم الرياضيات آلن تورنغ اختبار تورنغ test Turing لإجابة سؤال "هل يمكن للآلة أن تفكر؟" حيث يضم الاختبار محقق بشري يجري محادثة مع آلة تتحدث بلغة البشر ومع شخص آخر، فإذا عجز المحقق عن التمييز بين البشر والآلة، تكون الآلة قد اجتازت الاختبار وأصبحت قادرة على محاكاة البشر. ومنذ ذلك الحين، أصبح «اختبار تورينغ» جزء لا يتجزأ من فلسفة النقاش حول الذكاء الاصطناعي: وقد أطلق عالم الحاسوب جون مكارثي مصطلح الذكاء الاصطناعي لأول مره في أحد المؤتمرات العلمية عام 1956 وقد تم الاتفاق على أن مفهوم الذكاء الاصطناعي يرمز بصناعة الآلات التي تشبه بذكائها ذكاء البشر.
ومنذ ذلك الحين، بدأت محاولات العلماء البحثية في دعم مفهوم الذكاء الاصطناعي بعضها فاشلة ومنها ناجحة لفترة محددة. واشتهر مفهوم الذكاء الاصطناعي بعد تحقيق عدة نجاحات بفضل التقدم غير المسبوق في مجالات معالجات الحوسبة والبيانات الضخمة.
مع هذا التطور في مجال التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي ومع توفر البيانات الضخمة والمعالجات الحوسبية، يتم دراسة واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في عدة قطاعات رئيسية منها الصحة والشؤون المالية والفضاء والأمن والإعلام وغيرها.
أحدث الذكاء الاصطناعي تحولات جذرية في صناعة الإعلام، حيث تستخدم الشركات الحالية الإعلامية آليات التعلم الآلي في إذاعة النشرات الإخبارية، تحليل البيانات ونتائج المباريات، استخدام التعلم العميق وخوارزميات متطورة لإعداد التقارير الصحفية، تلخيص الأحداث واستنتاج الأحداث من الوقائع المصورة من الفيديو والصور بناء على كمية البيانات الرقمية والخوارزميات المتقدمة في هذا المجال.
كما تساهم التكنولوجيا المتقدمة في علم الآلة في صناعة المحتوى الإعلامي من خلال استخدام خوارزميات متقدمة لصناعة صور رقمية ومقاطع فيديو باستخدام نصوص آلية فقط في ثوان معدودة وهو مستقبل واعد للشركات الإعلامية لصناعة الأفلام والأحداث الرقمية. إن تطبيق هذه التكنولوجيا المتقدمة ستساهم في إعطاء فرصة للمهنيين والكاتبين والمنتجين والمحررين مزيدا من الوقت والحرية في مجال الإبداع والتفكير الناقد. كما ستجعل المحتوى الإعلامي ذات أهمية للمستهلك.
دور الذكاء الإصطناعي في تعزيز الرسالة الإعلامية، يظهر من خلال تمكين الشركات الإعلامية عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي من تبسيط وتلخيص أي محتوي نصي في ثوانٍ معدودة باستخدام المعالجات اللغوية الطبيعية، تم تطوير آليات متقدمة قادرة على تحليل كميات كبيرة من البيانات الضخمة واستنتاج أسلوب المتصفح الإلكتروني وتحليل شخصيته ومفضلاته من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية ومحركات البحث والأرشيف البحثي لسلوك المستخدم في مختلف الوسائل الإعلامية.
يحظى مجال معالجة اللغة الطبيعية بأهمية متزايدة في ظل استمرار التقدم التكنولوجي، إذ يعتمد عالمنا بشكل متزايد على الخدمات الرقمية المؤتمتة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. تساعد نماذج معالجة اللغة الطبيعية، المتوفرة عادة باللغة الإنجليزية، على تمكين التحول الرقمي وتطبيقات التكنولجيا المتقدمة في مجال الإعلام.
تجمع معالجة اللغة الطبيعية بين علوم اللغويات والحوسبة والذكاء الاصطناعي لدعم فهم الآلات للغة البشرية. وتُعتبر اللغات البشرية معقدة وتعتمد على قواعد يصعب على الآلات فهمها بالكامل، ويأتي هنا دور معالجة اللغة الطبيعية التي تُمكّن الآلات من فهم السياق والتعلم بدلاً من الاعتماد على فك الترميز، وذلك للتكيف مع مختلف اللهجات أو التعابير الجديدة أو الأسئلة والنصوص التي لم يتوقعها المبرمجون.
أصبحت معالجة اللغة الطبيعية أداة مهمة لكشف ومنع انتشار الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة. كما يمكن استخدام معالجة اللغة الطبيعية أيضاً لرصد التنمر الإلكتروني، حيث يتم تطوير تصنيفات لرصد استخدام اللغة بشكل مسيء، والتحريض على الكراهية، كما يساهم استخدام أدوات معالجة اللغة الطبيعية الشركات على تقييم المواقف نحو أحداث معينة وتحديد المجالات المحتملة للتحسين، ورصد التعليقات السلبية بسرعة (والاستجابة بشكل استباقي)، واكتساب ميزة تنافسية.
جهود الفريق العلمي في معهد الابتكار التكنولوجي في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الرسالة الإعلامية:
تعاون فريق العلمي في معهد الابتكار التكنولوجي المؤلف من باحثين ومهندسين في التكنولوجيا المتقدمة والمتخصصين في الذكاء الاصطناعي ضمن وحدة الذكاء الاصطناعي بإحداث ثورة في مجال نماذج المعالجة الطبيعية للغة العربية. يقوم نموذج «نور» بتنفيذ مهام ضمن مجالات متعددة بناء على تعليمات اللغة الطبيعية فقط. ولبناء «نور»، قام فريق من الباحثين في معهد الابتكار التكنولوجي بجمع بيانات ضخمة عالية الجودة باللغة العربية والعمل على تنسيقها وتحسينها لتتماشى مع آليات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في المعالجة.
• تم تدريب نموذج «نور» على فهم تعليمات اللغة الطبيعية والاستجابة لها ضمن سياقها. ولتنفيذ ذلك، يوظف النموذج أحدث التطورات في مجال تعلم الآلة، ويشمل ذلك مساعدة الآلات على فهم اللغة العربية وتطبيقها في عدة مجالات متقدمة. في مجال الإعلام يساهم نموذج نور في التمكين الرقمي في الإعلام العربي حيث يقوم بتحليل النصوص العربية واستخراج المعلومات الرئيسية للأحداث منها، والتلخيص الآلي للمحتوى الإعلامي والتصحيح التلقائي للغة، بالإضافة إلى استنتاج الأحداث في سياق الأخبار والمقاطع المصورة الرقمية باللغة العربية. كما يمكن استخدام «نور» في إنتاج محتوى إعلامي وكتابة مقالات تتناسب مع الأحداث.
كما تمكن مشروع «نور» من تطبيق آليات متقدمة لكشف التعليقات السلبية من الإيجابية في المحتوى الرقمي.
• ولضمان تعزيز جودة بيانات «نور» على نطاق واسع، صمم باحثونا أدوات فلترة آلية تعتمد على تقنيات علم الآلة وتحدد مراجع لكفاءة وجودة النموذج وتحميه من المحتوى العشوائي غير المرغوب به.
مع هذا التطور، نحن ماضون على المسار الصحيح نحو تعزيز قدراتنا ومؤهلاتنا البحثية، إضافة إلى الارتقاء بمكانة أبوظبي والإمارات كمنظومة بحثية رائدة. وقد أثبت خبراؤنا مرة أخرى قدرة هذه المنطقة على تحقيق نتائج بحثية وبناء تقنيات متقدمة تؤثر على العالم ككل. هذه ليست سوى الخطوة الأولى ضمن جهود المعهد للمساهمة في استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال دعم عملية دمج الذكاء الاصطناعي في القطاعات الاقتصادية الرئيسية.
*رئيس وحدة الذكاء الاصطناعي في معهد الابتكار التكنولوجي