اقرأ.. ترقى
«اقرأ» أمر من الله سبحانه لمن رد قائلاً: «ما أنا بقارىء»، ولكنه النبي الأمي الذي علم البشرية الهدف السامي من القراءة، وهو الترقي في سلم الحضارة الإنسانية. نلتفت قليلاً إلى ما ذكره ألبرتو مانغويل صاحب كتاب «تاريخ القراءة»، حيث أشار إلى أن احترام الكتابة ناحية تتمير فيها كل الثقافات التي تعرف الكتابة.
ويتميز الإسلام عن بقية الأديان الأخرى في هذه الناحية بالذات: فهو لا يرى في القرآن كتاباً مُنزلاً من الله وحسب، بل صفة من صفات الله، تماماً مثل حضوره في كل زمان ومكان، ومثل رحمته.
بالقراءة نعيش أعمار البشرية كلها، ومن دونها نواجه وجهاً واحداً للحياة وهي ألوان متعددة لا يمكن اكتشافها إلا بالقراءة المستدامة. وإذا لم تجد كتاباً تقرأه، فاصغ إلى محمد حسنين هيكل في مقولته: «أعتقد بأن كل إنسان لديه كتاب نائم في موضع ما من ذاكرته، ولو أنه فكر وراجع بطريقة جدية لعثر على موضوعه. و لو أنه عرف كيف يقترب منه لوجد عنده بالفعل شيئاً يستحق أن ينشر، ويستحق أن يُقبل الناس على قراءته. لأن كل تجربة إنسانية، قصة كاملة تستطيع أن تقدم نفسها في شكل كتاب».
منذ عقود والشكاوى لا تتوقف من مشكلة عنوانها «أمة القراءة لا تقرأ»، والعالم العربي وصل عند هذا الحد ولم يحرك ساكناً، فأخذت الإمارات زمام مبادرة تحريك حبة السكر في الماء العربي الراكد، لكي تكون النتيجة عند صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حيث قال في تغريدة على «تويتر»: أطلقنا قبل 6 أعوام تحدي القراءة العربي.. لأننا نؤمن أن الطريق للحضارة يبدأ بالقراءة.. نحتفي بـ22 مليون طالب من 92 ألف مدرسة شاركوا في الدورة السادسة لأكبر مسابقة عربية.. تدافع ملايين الشباب نحو قراءة 50 كتاباً كل عام هو تدافع نحو مستقبل أفضل لنا جميعاً بإذن الله».. من خلال متابعتي للبرامج التعليمية، أستطيع القول، بأن خمسين كتاباً في السنة الواحدة يعادل كل متطلبات الحصول على الشهادة الجامعية في أربع سنوات.
و لم يقف سموه عند هذه النقطة، بل إنه بعد افتتاحه للمكتبة المليونية غرد في «تويتر»: «افتتحنا بالأمس مكتبة محمد بن راشد.. المكتبة الأحدث عربياً.. وجهنا بتوزيع 3 ملايين كتاب على آلاف المدارس في عالمنا العربي دعماً للقراءة.. رسالة المكتبة عربية، وتأثيراتها الإيجابية ستشمل المنطقة بإذن الله».. ولاستدامة هذا العمل الثقافي الحضاري، فإن في الإمارات عرساً ثقافياً بدأت احتفالاته منذ أكثر من أربعة عقود متتالية في الشارقة التي تعيش هذه الأيام بريق الثقافة والمعرفة المستدامة. من هذا المنطلق، على المستوى المحلي، وجّه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتخصيص 4.5 مليون درهم لتزويد مكتبات الإمارة بأحدث إصدارات «معرض الشارقة الدولي للكتاب 2022».
الحكومة الرشيدة وفرت هذه الفرص للقارىء، والدور بعد ذلك على القارئ لشحذ همته ومواصلة دور الحكومة في استدامة روافد الثقافة في المجتمع. التقيت بزميل دراسة أمام إحدى المكتبات العامة بدبي، لم التق به لعقود، سألني مستغرباً: ما زلت تذاكر، بالطبع، نحن أمة القراءة من المهد إلى آخر حد.
*كاتب إماراتي