أُكلت عندما أُكل الهندي الأحمر
توفيت قبل أيام الممثلة الأميركية من أصول هندية «ساشين ليتلفيذر» التي وقفت عام 1973 في حفل توزيع جوائز الأوسكار معلنة رفض الفنان الكبير «مارلون براندو» استلام الجائزة احتجاجاً على معاملة السينما الأميركية للهنود الحمر. قرأت الفنانة الشابة آنذاك فقرة قصيرة من خطاب أعده «براندو» لهذه المناسبة قبل أن تتعرض لموجة شديدة من احتجاج الحاضرين في الحفل ما اضطرها لمغادرة المكان قبل أن تكمل قراءة الخطاب. نشرت «نيويورك تايمز» الخطاب كاملاً، متضمناً آراء «براندو» وأفكاره حول انتهاك حقوق السكان الأصليين في أميركا، وداعياً لإلغاء القوانين التي لا تسمح بالإدماج الكامل للمجتمع الهندي الأحمر في المواطنية الأميركية الخالصة.
«ساشين ليتلفيذر» عاشت مجهولة منذ ذلك الحين، ولم تعد للضوء إلا منذ أشهر قليلة عندما أطلقت الصحافة الأميركية احتفالية محدودة في مارس الماضي بمناسبة مرور 49 عاماً على رفض «براندو» لجائزة الأوسكار وأدخلوا اسمها عرضاً في التغطية الصحافية، كونها كانت أحد العناصر المشاركة في الحدث لا أقل ولا أكثر. خمسون عاماً من الغياب والظل والعزلة الرطبة، ثم ظهور جديد مفاجئ وعرضي، كجزء صغير مكمل للصورة المراد الحديث عنها، ثم غياب أبدي قبل أيام قليلة.
عبر براندو ذو الأصول الإيرلندية عن موقفه منذ49 عاماً ومضى. ما الذي تغير؟ لاشيء! فصورة الهندي الأحمر في السينما الأميركية ما زالت كما كانت: همجي غريب عن الثقافة وميال للعنف والإيذاء. بالإضافة إلى تصويره على أنه يعيش على هامش العصر، فلا علاقة له بالتكنولوجيا الحديثة، ولا خطوط اتصال تربطه بالمدنية.
على الجانب الآخر من العالم، وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديدًا، ما زال العربي يشتكي من تجني السينما الأميركية عليه، وإظهاره بصورة لا تعبر عن حقيقته، فهو «الثري المتخلف» الذي يتغذى على ثقافة فقيرة مشوهة، ويؤمن بالمفاتيح «الإرهابية» في الدنيا والآخرة. هذا أمر واقع نعرفه جميعًا، لكن السؤال يبقى: هل يعرف المواطن الكوري والمواطن التشيلي والمواطن الآيسلندي أن السينما الأميركية تتجنى على المواطن العربي؟ هل يعرف باقي سكان الكرة الأرضية أن صورة العربي في السينما الأميركية مزورة وغير حقيقية؟ الواقع يقول إن الإجابة تنحصر في حرفين فقط:لا!! أما لماذا فلأنني كعربي آمنت بما يقوله الأميركيون البيض عن الهندي الأحمر بدون مراجعة أو تمحيص، وبالتالي فالآخرون يفعلون مثلما أفعل بالضبط! السينما الأميركية تصوّر المجتمعات المخالفة للثقافة الأميركية وغير المتفقة معها بصور قاتمة السواد، وتتبع في ذلك تكنيكاً عبقرياً، إذ تفصل معالجتها لكل مجتمع عن باقي المجتمعات، ما يسمح لها بمحاصرة هذا المجتمع في زاوية معزولة، والانفراد بخلق صورته النهائية.
أنا العربي لم أسأل طوال عقود: هل صورة الهندي الأحمر في السينما الأميركية حقيقية أم غير حقيقية! بل إنني تلبست الحالة الهوليودية، وصرت أنظر للهندي الأحمر خارج شاشات السينما وكأنه مخلوق قادم من عالم آخر. وهكذا يفعل بالطبع المواطن الكوري والتشيلي والآيسلندي وغيرهم من المواطنين العالميين.
رفض صورة العربي في السينما الأميركية يبدأ برفض صورة الهندي الأحمر والروسي والصيني وغيرهم من المخالفين للحالة الأميركية. هكذا تكون البداية وهكذا يكون التغيير. وهكذا يتوقف العمل بمتلازمة «أُكلت عندما أكل الثور الأبيض».
* كاتب سعودي