حلول معمارية مبتكرة لمواجهة تغير المناخ
قبل خمسة عشر عاما، كان كايل إيزاكسن وزوجته كاتي تشاندلر، يعيشان في منزل اعتقد كثير من الناس أنه منزل عادي في مدينة رينو بولاية نيفادا الأميركية. المنزل مساحته 1.200 قدم مكعبة جدرانه مبنية من الحجر الجيري ومن ألواح خشبية في حي اشتهر بأشجاره النحيفة تسكنه عائلات شابة أخرى تعتمد على السيارات في الذهاب إلى أماكن العمل والعودة منها.
انتاب الاثنين شعور بأن حياتهما رتيبة وسخيفة وتفتقر إلى ارتباط ما – بالمجتمع وبالأرض وبالبيئة الصحراوية التي يعيشان فيها. لم يستطيعا التوقف عن التفكير في طريقة للحياة أكثر سلامة ونزاهة. كانت خطوتهما الأولى هي الانتقال من ذلك المنزل للعيش في كوخ من القش مساحته 200 قدم مربعة في مجتمع سكني مشترك في الجهة الأخرى من المدينة. ثم ذهبا إلى ولاية أوريجون، للتدرب مع كونراد روغ، أحد رواد ما يُعرف بحركة البناء الطبيعي التي تتحول لاستخدام ممارسات البناء لدى السكان الأصليين والمواد الطبيعية، خاصة الطين، لإنشاء منازل ومباني أخرى. أصاب ما تعلماه هناك وترا حساسا لديهما.
اجتاحت موجات الحر نصف الكرة الشمالي هذا الصيف، مسجلة درجات حرارة قياسية في مناطق تمتد من تكساس إلى باكستان مرورا بإنجلترا. وتصنف السنوات من 2013 إلى 2021 باعتبارها من بين السنوات العشر الأكثر احتراراً على الإطلاق، ويتوقع العلماء استمرار هذا الاتجاه. استجابة لذلك، كان هناك تركيز متزايد من قبل رواد الأعمال وواضعي السياسات على الابتكارات التكنولوجية لمساعدة البشر على البقاء في أجواء باردة وأقل حرارة. لكن عددا متزايدا من المعماريين وأصحاب المنازل، من شمال أفريقيا إلى شمال أوروبا، يركزون على نهج مختلف يتمثل في العودة إلى ممارسات البناء القديمة والتي كانت منسجمة تماما مع المكان وحافظت على برودة الأماكن قبل اختراع مكيفات الهواء.
إنها حركة عالمية. فعمال البناء في بازل بسويسرا، يقومون بشكل متزايد بتركيب «أسطح خضراء» من التربة والنباتات، فيما يشبه العودة إلى المنازل الاسكندنافية القديمة. في ميديلين، في كولومبيا، أعاد صانعو السياسات التضاريس الطبيعية والمساحات الخضراء إلى مدينتهم، مما أدى إلى خفض لدرجة الحرارة بشكل كبير. وفي دكار، عاصمة السنغال، صمم المهندس المعماري فرنسيس كيري، الحائز على جائزة بوركينابي، مباني باستخدام قوالب طوب استخدمها السكان الأصليون، وتتميز مدرسة من تصميم كيري في توركانا بكينيا، بأبراج تهوية مستوحاة من تلال النمل الأبيض القريبة.
رغم اختلاف التقديرات، يتفق الخبراء على أن صناعة البناء مسؤولة عن كمية هائلة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم تصل إلى 40٪، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، إذا كان تشغيل المبنى يتطلب استخدام الكهرباء، وعملية البناء نفسها التي تستلزم صناعة الأسمنت ونقل مواد البناء. وتشير معظم التقديرات إلى أن تأثير الكربون الناجم عن المباني سيزداد لأن مزيدا من الناس سيحتاجون أجهزة تكييف الهواء وسيكونون قادرين على شرائها. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة، تضاعف الطلب العالمي على الطاقة اللازمة لتشغيل مكيفات الهواء ثلاث مرات بحلول عام 2050، وأن يرتفع المخزون العالمي من مكيفات الهواء من 1.6 مليار في الوقت الحالي إلى 5.6 مليار بحلول عام 2050، وهو ما يعادل بيع 10 مكيفات هواء جديدة كل ثانية في الثلاثين عاما القادمة.
في العام الماضي، نشر باحثون من جامعة سانت أندروز في اسكتلندا تقريرًا يتوقعون فيه أن يؤدي التغير المناخي إلى إطالة الأيام الأكثر احترارا في المناطق المدارية، وهو اتجاه قد يعني أن مساحات شاسعة من أفريقيا وآسيا والأميركتين ستتعرض لموجات حر خطيرة.
هذا نهج يتبناه مخططو المدن. ربما اتضح هذا في مدينة ميدلين أكثر من أي مدينة أخرى. هذه المدينة التي يقطنها 2.5 مليون نسمة، وتقع في منطقة شمال غرب كولومبيا الجبلية في أميركا الجنوبية، كانت تشتهر بالعنف الذي تمارسه عصابات المخدرات. لكن في عام 2016، عندما وقعت الحكومة الكولومبية اتفاق وقف إطلاق النار مع جماعة فارك اليسارية المتمردة، تولى سياسي يدعى فيديريكو جوتيريث منصب رئيس البلدية وقرر التركيز على تغير المناخ إلى جانب الأمن. وأنشأ مع فريق من الخبراء برنامج الممرات الخضراء وهي مبادرة لتوسيع المساحات الخضراء، والاعتماد على مواد بناء لا تنفذ منها الحرارة ولا تحتفظ بها، وإنشاء شبكة من المتنزهات ومسارات الدراجات وغيرها من الأماكن العامة المظللة التي تربط الأحياء في أنحاء المدينة.
يقول أليخاندرو ريستريبو مونتويا، المهندس المعماري الذي عمل مديرًا للمشاريع الحضرية الاستراتيجية في ميديلين في ذلك الوقت «هذا النهج كان جهدًا واضحًا لاستعادة تضاريس المدينة، بالتركيز على إعادة بناء التكامل مع النظام البيئي الطبيعي، بدلاً من محاولة البناء فوقه أو حوله أو ضده. وتابع قائلا «يجب أن تلعب تضاريس الأرض دورًا رئيسيًا في التنمية الحضرية والهندسة المعمارية». وهذا ما تغفله المدن غالبًا، وترتكب أخطاء تشوهها.
جذبت ممرات ميديلين الخضراء انتباه الحكومات في جميع أنحاء العالم وهناك مشاريع مماثلة قيد النقاش أو قيد التنفيذ بالفعل في غواتيمالا وبيرو والبوسنة وأماكن أخرى. تم اكتشاف إمكانات الأسطح الخضراء في وقت مبكر مع حدائق بابل المعلقة الأسطورية، إحدى عجائب الدنيا السبع. في أوروبا، يتخذ عدد متزايد من البناة مفهومًا مشابهًا ويطبقونه على منازل خاصة. ويشق هذا المفهوم طريقه اليوم في مدن كبرى من نيويورك إلى طهران مرورا بلندن. ويُعرف أيضًا باسم السقف الحي، وهو سقف أخضر يغطي الجزء العلوي من المبنى مع نباتات مزروعة فوق غشاء مانع لتسرب المياه. وبدأت المدن الألمانية والسويسرية بتجربة الأسطح الخضراء في الثمانينيات والتسعينيات، لتوفير الطاقة وتعزيز التنوع البيولوجي في الغالب. لكن أظهرت العديد من الدراسات أن الأسطح الخضراء يمكن أن تساعد أيضًا في مواجهة تأثير «الجزيرة الحرارية». فاحترار النظم البيئية الحضرية يرفع درجة الحرارة بالنسبة للسكان ويعطل دورات طبيعية أخرى، مثل هطول الأمطار. ويرى العديد من مخططي المدن أن مزايا الأسقف الخضراء تفوق مخاطرها.
لكن بعض الأماكن، لا يوجد فيها الكثير من المساحات الخضراء للمساعدة في تبريد الاحترار. يقول المهندسون المعماريون إن هذه البيئات الصحراوية ربما تعطي الدروس الأكثر فعالية حول كيفية الحفاظ على برودة المنازل في كوكب يزداد احترارًا. ففي الصحراء الممتدة وبالقرب من الحدود مع ليبيا تقع واحة سيوة المصرية. لطالما كان على سكان سيوة محاربة المناخ المحلي القاسي. وأصبح ذلك أسهل من خلال الهندسة المعمارية في بعض المنازل والمباني القديمة التي تم بناؤها في مكان قريب من قلعة تعود للقرون الوسطى: فهي مبنية من ألواح من التربة مقطوعة من المسطحات الملحية المحيطة. لا يقتصر الأمر على توفير طوب الملح مواد بناء محلية طبيعية، ولكن أيضًا، مع تصميم المبنى للحفاظ على برودة المنازل بشكل طبيعي.
يقول وائل الأعور، مهندس معماري لبناني مقيم في دبي، إنه مستوحى من هذه المسطحات الملحية، ومثيلاتها الموجودة في الإمارات العربية المتحدة. وهو الآن يستكشف طرقًا لإنتاج الأسمنت تستخدم ملح أكسيد المغنيسيوم كعامل ربط بدلاً من العملية التقليدية التي تعتمد على إطلاق ثاني أكسيد الكربون لتكسير الحجر الجيري.
تحاول جيل جوثيلف، مهندسة معمارية من نيويورك، جسر الفجوة بين الحفاظ على التراث التاريخي والمباني الخضراء. وتقول إنها تدرك قدرة التكنولوجيا الجديدة على تقليص درجة الحرارة، لكنها ترى أيضًا حكمة في المباني القديمة. وتقترح بدلاً من محاولة إعادة تأهيل الهياكل التاريخية باستخدام نهج التكنولوجيا البيئية، البحث عن كيفية ملاءمة المبنى مع بيئته ومجتمعه.
يأخذ البناة الطبيعيون هذه الفلسفة خطوة إلى الأمام. غالبًا كثقافة مضادة لتجنب ما يسمى «تقدمًا». فجأة يبدو أن أحدث وأعظم التقنيات غير ضرورية، وأن المطلوب للراحة والرضا غير مكلف، ولا تتحكم فيه سلاسل إمداد دولية وأنه جزء من التربة نفسها.
يقول روغ إن البناء الطبيعي هو جسر نحو التفكير بشكل مختلف حول الاستهلاك وأسلوب الحياة له دور أكبر في التأثير على المناخ.
يقول السيد روغ: «آمل أن يكون للبناء مع الأرض...تأثير على الروح البشرية.» .
* كاتبة متخصصة في قضايا المناخ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»