الإمارات والثورة الصناعية الرابعة
ولج العالم في مرحلة الثورة الصناعية الرابعة منذ بداية العقد الفائت، بعد أن اختبر ثلاث ثورات كبرى، وهي ثورة البخار، وثورة الكهرباء والإنتاج الكبير أو الثورة الصناعية الثانية، والثورة الرقمية.
وتقوم الثورة الصناعية الرابعة على اندماج التكنولوجيا عبر المجالات المادية والرقمية والبيولوجية، وعلى النظم الإلكترونية-المادية Cyber-physical Systems، التي تُدمج العالمين الحقيقي والافتراضي. وتُمثل الثورة الرابعة تغييراً جذرياً في البيئة التي نعيش فيها، والطريقة التي نعمل بها، والوسائل التي تربطنا بعضنا البعض، وتستند على الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء وإنترنت الخدمات، الروبوتات، البيانات الضخمة، الواقع الافتراضي والواقع المعزز والواقع المختلط، منصة التعاملات الرقمية (بلوك تشين)، وتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها.
والحق أنّ الإمارات كانت من أوائل دول الشرق الأوسط اهتماماً بالثورة الصناعية الرابعة، فبادرت بإصدار استراتيجيةٍ للذكاء الاصطناعي، وأسست وزارة للذكاء الاصطناعي هي الأولى من نوعها، وأنشأت مركز فكر للذكاء الاصطناعي في أبوظبي (جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي). وتُعد التجربة الإماراتية في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمواجهة انتشار جائحة كوفيد-19 نموذجاً يستحق الدراسة واستخلاص الدروس منه.
كما أنّ مبادئ الخمسين تجعل التفوق الرقمي والتقني والعلمي أساس التنمية، ومن ثم الخطط والمشاريع التنموية في الدولة خلال الخمسين عاماً المقبلة. ويمكن النظر إلى معرضي يومكس وسيمتكس، والمؤتمر المصاحب لهما، ومتحف المستقبل على أنّهما من مراكز الفكر للثورة الصناعية الرابعة. دون الحديث عن أن فعّاليات إكسبو 2020 أسهمت في إثراء التلاقح الفكري بين المشاركين والزائرين حول صناعات المستقبل ومكونات الثورة الصناعية الرابعة.
وقد تبنت حكومة دولة الإمارات تقنية البلوك تشين في تنفيذ المعاملات الحكومية منذ العام 2018. وقبلها تم تأسيس المجلس العالمي للتعاملات الرقمية، في متحف المستقبل، بهدف استكشاف وبحث التطبيقات الحالية والمستقبلية لها، والعمل على تنظيم التعاملات الرقمية عبر تقنية البلوك تشين.
وتأكيداً على ريادة دولة الإمارات في واحدٍ من أهم المكونات الأساسية للثورة الصناعية الرابعة، وهو الذكاء الاصطناعي، فلقد تصدرت الدولة منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، وفقاً لتقرير التنافسية العالمية للعام 2021، ولاسيما في مجال التنافسية الرقمية. وفي أحدث تقارير المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي الصادر عن مؤسسة تورتويس، جاءت الإمارات في مقدمة دول العالم في الاستراتيجيات الحكومية المتعلقة بالإنفاق والاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وحلت تاسعاً في معيار تطوير الأنظمة الأساسية والخوارزميات التي تعتمد عليها مشاريع الذكاء الاصطناعي المبتكرة. وفي مؤشر المدن الذكية للعام 2021، تصدرت أبوظبي ودبي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
والأهم من ذلك هو إسهام «مسبار الأمل»، منذ وصوله إلى مدار المريخ في فبراير2021، في عالم البيانات الضخمة، عن الكوكب الأحمر بما يخدم التطلعات الإنسانية في استكشاف إمكانية الحياة هناك.
ولم تكتف الإمارات بالحط على المريخ، بل أعلنت عن المضي قدماً في سبر أغوار الكون من حولنا، عن طريق خطة طموحة لاستكشاف الزُهرة وحزام الكويكبات في مجموعتنا الشمسية، تبدأ في 2028 وتنتهي عام 2033. كما تمضي مهمة استكشاف القمر، التي تعد المهمة العربية العلمية الأولى من نوعها، في طريقها المرسوم لها منذ الإعلان عنها قبل نحو عامين.
*خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية