دروس سبتمبر لمكافحة الإرهاب
كلما دنت وتماثلت ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، التي استهدفت برجي التجارة العالميين في نيويورك، ومبنى البنتاغون في الولايات المتحدة الأميركية، عادت التحليلات والتأويلات والنظريات المفزعة تأخذ حيزاً واسعاً من النقاشات السياسية والإعلامية والشعبية، حتى بعد مرور أكثر من 21 عاماً على الحدث الأكثر خشونة والموجه نحو القوة الأمنية العظمى الأولى في العالم.
يمكننا القول، إنه خلال العشرين عاما الماضية، لم يتم لغاية الآن، التركيز على معالجة جذور الإرهاب العالمي، بكافة أشكاله وأنواعه، ولم نر نتائج جهود البحث العلمي المتخصص، في أسباب تلك الظاهرة الخطيرة، سواء في المجتمعات المتدينة، أو بشكل عام، ووسائل وطرق معالجتها، حيث تنمو وتتطور، بل اكتفت القوى الدولية كالولايات المتحدة بمطاردة رموز الإرهاب في منظمات «القاعدة» و«داعش» وغيرها والإطاحة بهم، والقيام بالأعمال العسكرية في مناطق محددة، كالعراق وسوريا وأفغانستان، ما جعل كثيراً من الدول والمجتمعات الأخرى، ترزح تحت وطأة ظهور الجماعات الإرهابية وانفجارها في أي وقت.
ومع أن الدول الغربية، ما زالت تعمل على قدم وساق، من خلال العمل الأمني والاستخباري، على تفكيك الجماعات الإرهابية، إلا أنها لغاية الآن، لم تتمكن من وضع «تصور وقائي شامل» يدرك الأسباب الحقيقية لظهور النزعات الإرهابية في مجتمعات عدة، وكيفية زرعها ونموها وتطورها وتمويليها والالتفاف حول قادتها ورموزها، والوصول إلى المرحلة التي شهدنا فيها أحداث 11 سبتمبر بل وشهدنا بعدها أشخاصاً من «داعش» يقطعون الرؤوس وكأننا في العصور الحجرية!!
ثم شهدنا أحداثاً إرهابية مروعة كهجومي كرايستشيرش 2019 بدافع سيادة البيض وكراهية الإسلام، حيث فُتحت النيران على المصلين في مسجدي النور ومركز لينود الإسلامي في مدينة كرايستشرش في نيوزلندا وغيرهما من الأحداث الكثيرة الإرهابية المفزعة. لا يبدو واضحاً أن الدول العظمى، سواء المتضررة بشكل مباشر من الإرهاب أو بشكل غير مباشر، تُلقي بالاً لخطورة البيئة والمجتمعات التي ينمو ويتمدد فيها الفكر المتطرف، وقد رأينا ذلك واضحا كيف دعمت إدارات أميركية سابقة كإدارة الرئيس الأميركي «باراك اوباما» جماعات إرهابية متطرفة مثل «الإخوان المسلمين» خلال فترة ما يسمى بـ«الربيع العربي»، والذي أدى بشكل خطير إلى تفشي ونمو تلك الجماعة وأعمالها الإرهابية في مصر وتونس وليبيا واليمن وغيرها، كذلك أدى إلى تفتيت لحمة تلك المجتمعات ووقوع الفتن والأزمات الكارثية فيها، وما زالت دول مثل اليمن تعاني من جماعات «الإخوان» و«القاعدة» وغيرها. ما زال بعض القادة السياسيين في الغرب يخلطون بين خطورة الجماعات الإرهابية وبين أهمية وجودها كـ«فزاعة» بالنسبة لهم، يمكنها التسويق لبعض قراراتهم الداخلية والخارجية، وإظهار أن الدولة تخوض حرباً مكلفة طويلة المدى لإسكات المعارضة والشعوب، كلما اقتضى الأمر، أو التبجح باصطياد أحد رموزها في الفترات الانتخابية، ثم مناكفة دولة أخرى تعمل على مكافحة الإرهاب والتطرف في منابته وأوكاره بحجة حقوق الإنسان أحيانا، وكذلك ترك دول ومناطق كثيرة في العالم تعاني الحروب والويلات والجوع واللجوء مثل سوريا، دون إيجاد حلول سياسية فورية تساهم في إيقاف ذلك النزيف الذي سيؤدي بالإضافة إلى تزايد الإرهاب، إلى ظهور فكر متطرف وإرهاب من أنواع أخرى، قريباً أو في المستقبل.
لم تتوقف دولة الإمارات عن التصدي للإرهاب ومحاربة الإيديولوجيات المتطرفة، التي تغذي العنف الذي تمارسه الجماعات الإرهابية سواء ذلك الذي يستهدف أمن واستقرار الدولة ومواطنيها والمقيمين فيها، أو الذي يعيث خراباً في منطقة الشرق الأوسط والعالم، فكانت رؤية دولة الإمارات أن هذه الظاهرة هي ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود والثقافات والأديان، وإن محاربته تستدعي تضافر كافة الجهود من مختلف الأطراف، ليس الحرب العسكرية فقط، بل البحث العميق في جذور الراديكالية وأسباب التطرف، والانتقال إلى مكافحة عمليات التجنيد، ووصولاً إلى المشاركة الفعالة في المجتمع، باعتبار أن الإرهاب ظاهرة شائكة مركبة، تحتاج العمل على كل مرحلة، وبذل الجهود لتفكيكها.
لا يمكن مكافحة الإرهاب والتطرف العالمي، الذي أدى لوقوع أحداث 11 سبتمبر وغيرها، دون تطبيق النموذج الإماراتي الوقائي الصارم، داخلياً من خلال ضبط الخطاب الديني في المؤسسات والمنابر والمناهج وغيرها، وإحقاق العدل والإنصاف في المجتمعات، والمراقبة والتوعية المستمرة، وبث روح الأمل والسعادة والطاقة الإيجابية والدعوة للعمل المنتج والفعال، وخارجياً من خلال تسوية النزاعات ووأد الصراعات والدعوة للسلام وتحقيق الأمن والاستقرار الدوليين.
* لواء ركن طيار متقاعد