النفط الأميركي: نقص معدات التكسير يكبح الإنتاج
في زاوية مليئة بالغبار في أوكلاهوما، بالقرب من المكان الذي أسس فيه إيرل هاليبيرتون إمبراطوريتَه لخدمات النفط قبل 103 سنوات، يفسر عدد من العمال سبب ضعف نمو إنتاج النفط في الولايات المتحدة على الرغم من طفرة الأسعار! ينشغل طاقم شركة هاليبيرتون بتفكيك مضخات التكسير القديمة، أي المحركات القوية المثبتة على الشاحنات والتي تساعد على إخراج الهيدروكربونات من الكتل الصخرية، لتلبية الطلب المتزايد على المعدات في حقول النفط الأميركية. إنه عمل مكثف، وحالياً مربح للغاية.
تختار شركة هاليبيرتون ومنافسيها هذا المسار، أي تجديد المعدات الموجودة، بدلا من استثمار جديد كبير في التصنيع لسبب ما. إذ أن قطاع الخدمات النفطية، مثله مثل شركات الاستكشاف والإنتاج التي يخدمها، قد تأثر من شدة الانكماش الصناعي الأخير، وهو حريص على تجنب تكرار التجربة التي انطوت على تسريح العمال وتقليص حجم الأعمال.
مثل هذا الحذر يعني أنه حتى بالرغم من أن أسعار النفط تحوم بالقرب من 100 دولار للبرميل، لا توجد ببساطة أجهزة كافية لتلبية الطلب في رقعة النفط الصخري في الولايات المتحدة حالياً. فالنقص في مضخات التكسير، جنباً إلى جنب مع ندرة أطقم تشغيلها وارتفاع أسعار الأنابيب الفولاذية، يثير تساؤلات حول قدرة المستكشفين الأميركيين على تلبية توقعات الإنتاج هذا العام.
يقول روب ماثي، كبير المحللين في شركة «ريستاند إينرجي» للاستشارات الصناعية: «نحن هنا في وضع غير مسبوق نوعاً ما»، حيث أن ضغط التكسير «سيؤدي حقاً إلى مشاكل في الوقت الذي تحاول فيه جهود الاستكشاف والإنتاج تحقيق النمو».
وقد يؤدي أي تدهور في قدرة عمال الحفر الأميركيين على تقديم المزيد من الإمدادات إلى تفاقم أزمة الطاقة التي أرهقت المستهلكين على مستوى العالم، وعرّضت النمو الاقتصادي للخطر وأجبرت بعض الحكومات على التفكير في التقنين لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.
انخفض إنتاج النفط الخام الأميركي في الأشهر الأولى من الوباء ولم يعد بعد إلى مستويات ما قبل «كوفيد-19» على الرغم من انتعاش الطلب العالمي وارتفاع الأسعار الذي أعقب الحرب الروسية الأوكرانية. ومن المتوقع أن يرتفع الإنتاج المحلي بمقدار 900 ألف برميل يومياً هذا العام، أو حوالي 7%، وفقاً للمتوسط الذي ذكره العديد من المحللين الذين استطلعت «بلومبيرج» آراءَهم.
في حين أن هذا الإمداد الإضافي مهم، إلا أنه بعيد كل البعد عما كان عليه في وقت سابق من العقد عندما كانت الحفارات الأميركية تعزز بشكل روتيني الإنتاج السنوي بأرقام مزدوجة. وتخطط شركة «بيرميان ريسورسيز» (Permian Resources)، وهي شركة الاستكشاف والإنتاج التي تركز على الحفر الصخري، والتي تشكلت نتيجة الاندماج الأخير بين شركتي كولجيت إينيرجي Colgate Energy وسينتينيال ريسورز ديفيلوبمينت Centennial Resource Development Inc.. تخطط لزيادة الإنتاج بنسبة 10% العام المقبل، لكنها ستتمكن من تحقيق ذلك دون إضافة حفارات أو أطقم إنجاز في إطار «البيئة التشغيلية الصعبة»، بحسب ما قال الرئيس التنفيذي المشارك «ويل هيكي».
ويمكن تقسيم استخراج النفط والغاز الصخري إلى مرحلتين متميزتين: الحفر ثم تكسير البئر. إنها المرحلة الثانية التي يُطلق عليها مرحلة الإنجاز، حيث يتم حقن مزيج غامض من المواد الكيميائية والماء بضغط عالٍ لإزاحة الهيدروكربونات المدفونة، وهي عملية صعبة.
وحتى قبل «كوفيد-19»، كان النفط الصخري الأميركي يشهد هزةً بعد سنوات من النمو السريع الذي أضاف إلى زيادة المخزون من النفط. تم إلغاء أساطيل التكسير بشكل جماعي. والآن، عاد الطلب بشكل كبير، كما قال آندي هندريكس، الرئيس التنفيذي لشركة التكسير «باترسون إينيرجي».
وبالإضافة إلى نقص المعدات، فإن نحو 264 طاقم تكسير يعمل حالياً في حقول النفط الأميركية هو أقل بنسبة 42% من الأطقم التي كانت تعمل في عام 2018، كما ذكرت شركة أبحاث الصناعة «ليوم». وبشكل عام، من المقرر أن تقفز تكاليف التكسير الهيدروليكي بنسبة 27% هذا العام، وفقاً لشركة أبحاث «كيمبرلايت انترناشونال أويل فيلد». وقالت أنجيلا ستيبلز، نائبة الرئيس في شركة الاستكشاف «تول سيتي اكسبلوريشن»: «قمنا بإلغاء التعاقد مع أربع شركات مختلفة للتكسير لأنها لا تملك المعدات المناسبة أو المضخات ذات القدرة الكافية». وأضافت: «من الصعب ضخ الكثير من الأموال ثم تضطر للانتظار»، رغم أن شركة «تول سيتي» ما تزال تهدف إلى رفع الإنتاج هذا العام، رغم بعض التأخيرات.
بالنسبة لشركات خدمات النفط، فقد أحدثت الأسعار المرتفعة شعوراً بالراحة بعد الأوقات القاتمة التي أعقبت التأثير الأولي لكوفيد-19. وذكرت شركة هاليبيرتون في يوليو الماضي أن عائدات أميركا الشمالية ارتفعت بنسبة 26% في الربع الثاني من العام، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التكسير الهيدروليكي. وحذرت هاليبيرتون من أن شركات النفط التي ليس لديها بالفعل معدات تكسير مؤجرة للآبار الجديدة من المحتمل ألا يحالفها الحظ خلال الفترة المتبقية من عام 2022.
وفي انعكاس للتغيير الكبير الجاري بالنسبة لشركات التكسير، تبذل شركة هاليبيرتون الآن 80% من جهدها التصنيعي على التجديدات و20% فقط على التصنيع الجديد. وهذا تغيير كامل للوضع الذي كانت عليه الشركات منذ بضع سنوات فقط، وفقاً لما قاله مايك جراي، مدير التصنيع في موقع دانكان، والذي كان يعمل مع شركة هاليبيرتون منذ قرابة نصف قرن.
ديفيد ويث
صحفي لدى «بلومبيرج»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»