لا تجعلوا لوحات السيارات سبباً في حرب جديدة
يبدو أن التعليمات كانت إثارة ما يمكن أن يصبح في الواقع أزمة أوكرانية ثانية في أوروبا، ولكن في كوسوفو. من قال هذا؟ واصل القراءة.
إن نزاعا متجددا في كوسوفو سيكون أصغر حجما من الحرب التي تدور رحاها حاليا في أوكرانيا وسيفتقر إلى شبح الأسلحة النووية. ولكنه ريما سيحدث قريبا من القلب الجغرافي للاتحاد الأوروبي – في البلقان، ليس بعيدا عن المكان الذي فجّر ذات يوم الحربَ العالمية الأولى – وسيلقي بشكوك على قيم التكتل وتصميمه ومصداقيته. والتساؤل الأن هل الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش يمكن أن يفجّر حربا جديدة في كوسوفو؟
الاصطفاف الجيوسياسي سيكون متطابقا تقريبا في المواجهتين. فالاتحاد الأوروبي والناتو سيدعمان جانبا (كوسوفو)، بينما ستدعم روسيا الآخر (صربيا).
روسيا وصربيا دولتان سلافيتيات أورثوذكسيتيان خرجتا من رحم دولتين فيدراليتين شيوعيتين – الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا – تفككتا بعد الحرب الباردة. وفضلا عن ذلك، فإن الروس والصرب يعتبرون بعضهم بعضا أقارب وأبناء عمومة عرقيا ودينيا.
ولدى البلدين تظلمات ضد بلدان مجاورة تريد أن تكون مستقلة ولكنها تضم العديد من الروس والصرب الإثنيين. وباسم حماية أبناء العمومة.
في التسعينيات، دعمت صربيا، في عهد زعيمها السابق سلوبودان ميلوسووفيتش، الصرب الإثنيين في البوسنة الذين يتحاربون مع البوسنيين (ومعظمهم مسلمون)، ثم أرهبت الألبان الإثنيين في كوسوفو، الذي كان إقليما صربيا آنذاك. ولاحقا، خضع ميلوزوفيتش للمحاكمة أمام محكمة جنائية تابعة للأمم المتحدة بتهم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية – ولكن عُثر عليه ميتا في زنزانته قبل صدور الحكم. وبعد ذلك مباشرة دخلت روسيا في اللعبة: مهاجمة جورجيا في 2008، ثم أوكرانيا في 2014 ومرة أخرى هذا العام ولكن بشكل أقوى.
الصرب والروس يتوافقون أيضا في تعريفهم السيكولوجي للعدو. ففي عام 1999، قصف الناتو صربيا في مسعى لوقف عملية التطهير العرقي للأغلبية الألبانية في كوسوفو – يذكر هنا أن الناتو يحتفظ بقوة لحفظ السلام في كوسوفو إلى اليوم. ونتيجة لذلك، لا ينظر الصرب إلى التحالف العابر للأطلسي بعين الود، ويميلون، على غرار الروس، إلى الارتياب في الغرب برمته بشكل آلي – وعلى سبيل المثال، فإن ثلثي الصرب يحمّلون الناتو مسؤولية حرب أوكرانيا، بينما يشير 10٪ فقط إلى روسيا بأصبع الاتهام.
ومن جانبه، يعتبر بوتين الناتو «امبراطورية الشر» وأنه ليس سوى جبهة للعدو الأكبر: الولايات المتحدة.
اعتبارا من منتصف الألفينات، خطت كل من أوكرانيا وكوسوفو خطوات نحو الاتحاد الأوروبي، مما أثار استياء روسيا وصربيا. فقد شهدت أوكرانيا ثورتها البرتقالية في 2004-2005 وما يسمى انتفاضة الميدان الأوروبي في 2013-2014. غير أن بوتين ينفي أن تكون أي شيء غير جزء من روسيا. وأعلنت كوسوفو الاستقلال عن صربيا في 2008. ولكن صربيا لا تعترف بكوسوفو – وبدعم من روسيا والصين – تعرقل انضمام كوسوفو إلى الأمم المتحدة وهيئات دولية أخرى.
غير أن هناك فرقا كبيرا بين النزاعين. ذلك أن أوكرانيا تريد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (ومؤخرا أصبحت مرشحة رسميا)، في حين تريد روسيا «تدمير» التكتل، على حد تعبير المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل. وبالمقابل، تريد كل من صربيا وكوسوفو أن تصبحا عضوين في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب بلدان يوغسلافيا السابقة الأخرى التي لم تنضم إلى التكتل بعد.
وهذا يعني أنه يتعين على كل من كوسوفو وصربيا أن تتصرفا بنضج ومسؤولية، إذ يتعين عليهما الالتزام بمعايير الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بحكم القانون والديمقراطية والحكامة النظيفة. كما ينبغي عليهما بذل جهد من أجل تسوية صراعهما، ذلك أنه لا يمكن لبلد لديه نزاع ترابي مفتوح الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
غير أنه الآن تخيّم علامة استفهام كبيرة فوق الصرب والكوسوفيين وكل الأوروبيين. والسبب المباشر تافه على نحو مثير للضحك.
الأمر له علاقة بلوحات ترخيص السيارات وبطاقات الهوية. ففي مظهر من مظاهر إظهار الولاء، حافظ الكثير من الصرب الإثنيين الذين يعيشون في كوسوفو على لوحات ترخيص وبطاقات هوية أصدرتها لهم من صربيا. واليوم، تريد بريستينا، عاصمة كوسوفو، إدخال قانون ينص على ضرورة حصولهم على لوحات وبطاقات كوسوفية صحيحة.
وقد كان هذا كافيا لإثارة احتجاجات وطلقات نارية الأسبوع الماضي. لا أحد أصيب في تلك المظاهرات، ولكن كلا من بلغراد وموسكو أطلقتا على الفوز العنان للمبالغة والتضخيم بشأن ما جرى زاعمتين أن كوسوفو تخطط لطرد الصرب الإثنيين بل وقتلهم. وصرّح عضو في البرلمان الصربي بأن صربيا ربما «تضطر لبدء عملية اجتثاث النازية من البلقان»، ما يذكّر بمقولات تصدر حول أوكرانيا قبل العملية العسكرية الروسية.
تلقت كل من بريستينا وبلغراد توبيخا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وردا على ذلك، أرجأ رئيس الوزراء الكوسوفي آلبن كورتي قانون لوحات الترخيص وبطاقات الهوية إلى سبتمبر، من أجل إتاحة الوقت للنفوس حتى تهدأ. ولكن الأسلحة أُخرجت، مجازا وربما حرفياً أيضا.
ولكن من قال إن «بوتين الكبير وجّه أوامر لبوتين الصغير»؟ إنه فوسيتش نفسه – وقد كان ساخرا. فقد كان يحاول أن يسخر من الخطاب الذي يروّج له كورتي من أن هذه المواجهة في البلقان هي إعادة تمثيل بالوكالة لحرب أوكرانيا.
والواقع أن فوسيتش يطابق الدور كثيرا – فقد كان المتحدث الرسمي باسم ميلوزوفيتش، وهو الآن يحكم البلاد وفق أسلوب الرجل القوي الشعبوي في المجر فيكتور أوربان. وإذا توترت الأمور بين صربيا وكوسوفو، فإن ذلك سيحوّل كورتي إلى نظير رئيس أوكرانيا البطولي فلوديمير زيلينسكي. وخط القصة هذا سيرغم تقريبا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والناتو والغرب بأسره للانحياز إلى صف كوسوفو.
والواقع أنه من المشجع أن يستهجن فوسيتش هذا الوضع. وأنه قد يريد في الواقع تجنب إراقة الدماء، بل وربما التخطيط لمستقبل أوروبي مشترك للبلدين، مستقبل لا تعود فيه حدودهما مهمة كثيرا، وحيث تستطيع كل الشعوب في المنطقة العيش في سلام وكرامة وحرية. وعليه، إذا كان الأمر كذلك، لندَعْ فوسيتش وكورتي يثبتان حسن نيتهما الآن. فهناك أشياء كثيرة على المحك حتى نبدأ حربا أخرى – بسبب لوحات الترخيص أو أي شيء آخر.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»