حرب تجارية ضد الرِّضاعة الطبيعية!
من الممكن إنقاذ حياة أكثر من 800 ألف طفل سنوياً، إذا ما توفرت الرضاعة الطبيعية لجميع الأطفال حديثي الولادة، منذ يوم ولادتهم، وحتى نهاية السنة الثانية من عمرهم. لكن رغم أهمية هذه الحقيقة، وإمكانية تحقيقها، فإن الواقع هو أن 40% فقط من الأطفال، دون سن الستة شهور، يرضعون طبيعياً، ويظل 60% محرومين من الفوائد التي يمنحها حليب أمهاتهم.
هذه الفوائد تشمل تقوية مناعتهم، كون حليب الأم يحتوي على أجسام مضادة تقيهم ضد العديد من أمراض الطفولة. كما أن حليب الأم يوفر جميعَ الاحتياجات الغذائية للطفل في الشهور الأولى من الحياة، ويمكنه أن يوفر نصف الاحتياجات الغذائية على الأقل خلال النصف الثاني من السنة الأولى، وأن يستمر في توفير ثلث تلك الاحتياجات خلال عامهم الثاني، مما يجعل حليب الأم الغذاء المثالي للطفل الرضيع، كونه كذلك آمناً ونظيفاً وصحياً. ومؤخراً تواترت الدراسات التي تظهر أن الأطفال الذين اعتمدت تغذيتُهم في الشهور الأولى على الرضاعة الطبيعية، أصبحوا يتمتعون بمستوى أعلى من الذكاء مقارنةً بأقرانهم، ويحققون مستوى أفضل في دراستهم الأكاديمية. كما أنهم يتعرضون لمعدلات أقل من الإصابة بزيادة الوزن والسمنة وداء السكري في المراحل اللاحقة من حياتهم، أما الأمهات المرضعات فتنخفض أيضاً احتمالات إصابتهن بسرطان الثدي وسرطان المبيض.
لكن، وحسب تقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية، ظهر أن صناعةَ ألبان الأطفال الاصطناعية، تنفق سنوياً 55 مليار دولار أميركي على التسويق لمنتجاتها، مستهدفةً بمكر وخبث الأمهات حديثي الولادة، وباعتماد متزايد على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
ويظهِر التقرير الصادر عن المنظمة الدولية تحت عنوان «مدى تأثير وسائل التسويق الرقمي لمنتجات الألبان الاصطناعية»، أنه بخلاف الإعلانات المدفوعة على منصات التواصل الاجتماعي، تدفع شركاتُ الألبان الاصطناعية مبالغَ ضخمةً لمن أصبحوا يعرفون بالمؤثرين أو «الإنفلونسر»، ممن لديهم ملايين المتابعين، للتأثير على النساء أثناء الحمل وبعد الولادة، أي في فترة من حياتهن تتميز بالارتباك والقلق والرغبة في توفير الأفضل لمواليدهن الجديد.
والمؤسف أن استراتيجيات التسويق هذه تتخفى بخبث، بحيث لا يمكن الاطلاع بسهولة على حقيقة كونها مجرد إعلانات مدفوعة الأجر. أضف إلى ذلك التطبيقات المحمّلة على الهواتف، والتي تدّعي أنها تهدف لإرشاد الأم نحو تقديم الرعاية الأفضل لمولودها الجديد، وما يعرف بجماعات الدعم (Support Groups)، ونوادي الأطفال الرضع (Baby-clubs)، ومنتديات النصح والإرشاد (Advice Forums).. والتي يتم تمويلها جميعاً من قبل شركات الألبان الاصطناعية، لإثارة القلق والخشية لدى الأمهات، ودفعهن بشكل غير مباشر إلى التخلي عن حليبهن الطبيعي، واللجوء للألبان الاصطناعية التي ترهق أسعارُها ميزانيات الكثير من الأسر، وتحرم هؤلاء الأطفال من غذاء طبيعي، كامل ومتكامل وآمن ونظيف وصحي.
*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية.