انتخاب مورمو.. انتصارٌ للمسحوقين
اختار مجلسَا البرلمان الهندي والجمعياتُ التشريعيةُ في ولايات الهند الثماني والعشرين السيدة دروبادي مورمو رئيسةً للبلاد. وصوّت قرابة 4800 عضو من البرلمان ومن المجالس التشريعية من جميع الولايات في الانتخابات الرئاسية. وأدت مورمو اليمين الدستوريةَ لتصبح الرئيسةَ الخامسة عشرة والمرأة الثانية التي تتولى المنصب وأول امرأة من أصل قبائلي تشغله في تاريخ البلاد. وتنتمي مورمو البالغة من العمر 64 عاماً إلى قبيلة سانتهال، وقد رشحها للمنصب حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم.
وحصلت على دعم أكثر من نصف أعضاء البرلمان ومشرعي الولايات. ويعتبر منصب الرئيس الهندي شرفياً إلى حد كبير، لكن اختيار حزب «بهاراتيا جاناتا» لمورمو أظهرَ محاولةً من قِبله للوصول إلى عمق المجتمع القبلي. ووصف رئيسُ الوزراء «مودي»، في تهنئته، انتخاب مورمو بأنه «بصيص أمل لمواطنينا، خاصةً الفقراء والمهمشين والمسحوقين». وفي الوقت نفسه، قال رئيس «بهاراتيا جاناتا» الحاكم في بيان إن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الهند المستقلة التي يصبح فيها شخص من مجتمع قبلي ناءٍ، كرَّس حياتَه بالكامل لرفع مستوى المسحوقين، رئيساً للهند.
ولا شك في أن اختيار مورمو كمرشح رئاسي كان بمثابة ضربة سياسية حصيفة من حزب «بهاراتيا جاناتا» لدرجة أن بعض قادة أحزاب المعارضة، مثل السيدة ماماتا بانيرجي، رئيسة وزراء ولاية البنغال الغربية، وهي من أشد المنتقدين للحزب الحاكم، أيدت ترشيحَ مورمو. ورئيسة الهند التي تم تنصيبها يوم الاثنين الماضي، هي حاكم سابق لولاية جهارخاند وسياسية عملت جاهدةً لإدماج المجتمع القبلي في التيار الرئيسي للبلاد وتمثيله سياسياً. ووجدت المعارضةُ صعوبةً في الاعتراض على ترشيح مورمو، لأنه كان سينظر إلى هذه المعارضة باعتبارها مناهضةً للمجتمع القبلي.
ومن الواضح أن هدف رئيس الوزراء مودي هو استمالة القبائل التي تشكل 6% من سكان الهند، وهي من بين المجتمعات المهمشة التي تبحث الأحزابُ السياسيةُ منذ فترة طويلة عن كيفيةٍ لاستمالتها. صحيح أن منصبَ الرئيس شرفي إلى حد كبير، لكن الرسالةَ هي أن القبائل تستطيع أن يكون لها تمثيل سياسي على أعلى مستوى.
وتركيزُ الحزب الحاكم على المجتمعات المسحوقة يستهدف بلا شك تعزيزَ قاعدة تصويت حزب «بهاراتيا جاناتا» وتوسيعَها في مناطق خارج قاعدته الانتخابية الأساسية. ويُنظر إلى القبائل على أنها قاعدة تصويت مهمة حتى بالنسبة لانتخابات الولايات. ففي ولاية جوجارات، وهي مسقط رأس مودي، هناك 15% من الأصوات للقبائل. ويذهب الناخبون في هذه الولاية إلى صناديق الاقتراع في وقت لاحق من هذا العام.
وبالمثل، يُنظر أيضاً إلى المجتمعات القبلية على أنها تلعب دوراً مهماً في الانتخابات المقبلة في ولاية هيماشال براديش. والقبائل مهمةٌ سياسياً أيضاً في ولايات أخرى مثل ماديا براديش وتشاتيسجاره وراجستان، حيث من المقرر إجراء انتخابات المجالس التشريعية العام المقبل. وكان حزب «بهاراتيا جاناتا» بقيادة رئيس الوزراء الهندي قد حقق انتصاراً ساحقاً عام 2014، ثم مرة أخرى عام 2019. وظلت المعارضة متفرقةً طوال هذه السنوات الثماني.
وحزب «المؤتمر الوطني الهندي»، الحزب القومي الرئيسي الآخر، يفتقر إلى البوصلة بسبب الشقاق الداخلي، إذ غادره كثير من قادته المنتخَبين في ولايات كثيرة وانضموا إلى «بهاراتيا جاناتا». وحصول مودي على فترة ولاية ثالثة في الانتخابات 2024 يعتبر الهدفَ الأكبرَ للحزب الحاكم. ومن المحتمل أن يؤدي هذا التقارب إلى تخفيف حدة قضايا التضخم وارتفاع الأسعار، إذا ظلت هذه قضايا مهمة عند إجراء الانتخابات.
ولا يقتصر تقارب الحزب الحاكم على التواصل مع القبائل، لكنه يحاول أيضاً الآن الوصول إلى أعضاء المجتمع المسحوقين الذين يشعرون بالتهميش وبأن لا صوتَ لهم. وتحدَّث مودي، في اجتماع وطني للحزب مطلع هذا الشهر، مع قيادات الولايات والعاملين بالحزب حول أهمية استمالة القطاعات «المتخلفة عن الركب»، ليس فقط داخل المجتمع الهندوسي، ولكن أيضاً داخل الأقليات الأخرى، بما في ذلك المسلمون.
وفاجأت هذه الخطوة كثيرين حيث لم يتوقع أحدٌ تركيز الحزب على المجتمعات «المتخلّفة عن الركب» ذات التمثيل السياسي الضئيل. ويُستكمل حزب «بهاراتيا جاناتا» تقرّبَه إلى هذه المجموعات ببرامج حكومية اتحادية ناجحة، مثل توصيل غاز الطهي مجاناً، وتقديم إعانات نقدية مباشرة، وإتاحة الوصول إلى الخدمات المالية، بما في ذلك فتح حسابات مصرفية لمساعدة القطاعات الفقيرة والمهمشة.
وتظهر كل هذه البرامج في حملة «بهاراتيا جاناتا» للانتخابات العامة المقبلة. لكن يتعين علينا الانتظارَ لنرى مدى ما ستحققه هذه الاستراتيجية السياسية من نجاح. وفي غضون ذلك يستطيع المجتمعُ القبلي، والهند ككل، الافتخارَ بوجود ممثل عن هذا المجتمع (المهمش) في أعلى منصب بالبلاد.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية -نيودلهي