ما بعد قمة جدة
اختتمت أعمال «قمة جدة للأمن والتنمية» التاريخية، والتي حضرها الرئيس الأميركي جو بايدن في أول زيارة له لمنطقة الشرق الأوسط، والتي استهلها بزيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينية وإلى المملكة العربية السعودية، في توقيت مهم جداً يتزامن مع الأزمة الأوكرانية وتداعيات سياسية واقتصادية يمر بها العالم.
ولابد أن أشيد بالتحضير الفعال، الذي قامت به الدول العربية قبيل القمة من اللقاءات والاتصالات التنسيقية، وتحديداً الدولة المستضيفة السعودية في تحضيرها لقمة جدة التي خرجت بنتائج تتناسب مع تطلعات وتحديات دول المنطقة. لابد من العودة للوراء، للتذكير بالتداعيات التي استوجبت عقد هذه القمة التاريخية، وأعتقد أن أبرزها هي الضغوطات على إدارة بايدن التي سيتعين عليها مواجهة «الجمهوريين» في الانتخابات النصفية القادمة، في ظل تداعيات اقتصادية على الناخب الأميركي الذي يواجه ارتفاع الأسعار بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية، بالإضافة إلى ملف الأمن الغدائي الذي أضر بالعديد من دول العالم، بما فيها دول منطقة الشرق الأوسط.
ومن جانب آخر، كانت الملفات العربية العالقة في العراق وسوريا واليمن، والفراغ الأمني بسبب انخفاض التواجد الأميركي في المنطقة، أحد محركات عقد القمة، وشكّل ملف الاتفاق النووي أهمية كبيرة، في ظل ضبابية المفاوضات والتوجه الأميركي استراتيجياً في التعامل مع إيران، ومدى توافق الحلول مع تحديات دول المنطقة المحورية لضمان الأمن والاستقرار.
كان أحد أبرز نتائج القمة هو التوافق على ملف الطاقة، علماً بأن الدول الأعضاء في أوبك+ قد اتفقت مسبقاً على رفع الإنتاج، وأعلن سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن إمكانية زيادة إنتاج السعودية إلى 13 مليون برميل يومياً كحد أقصى، وهذا لا يعني زيادة الإنتاج الآن، بل المقصود ضمن منظومة «أوبك+»، ما يرضي على الأقل طموحات الولايات المتحدة، وما يحسب للدول العربية المنتجة للنفط عدم انسياقها خلف الإملاءات، والتزامها بالعمل ضمن منظومة «أوبك»، بما يتناسب مع مصالح الدول الأعضاء كافة.
كان من الواضح جلياً من مخرجات القمة وزيارة الرئيس الأميركي التغيير الاستراتيجي تجاه ملف الاتفاق النووي، فهناك توافق تام على رفض امتلاك إيران للسلاح النووي، كما هناك دعوات واضحة لإيران للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ودعوات إيجابية من عدة دول أنها ليست ضد إيران، ما يعكس أن المنطقة لا تبحث عن التصعيد، بل لتخفيف التوترات والتركيز على ملفات التنمية.
ستستفيد المنطقة العربية من إعادة العلاقات العربية الأميركية إلى مسارها الطبيعي، فمن بوابة جدة التقت مصالح الدول المشاركة حول ملفات الأمن الغذائي والمناخ ومكافحة الإرهاب، من خلال تشكيل تكاملات وتكتلات ما بين الدول لتحقيق التعاون، وكان لتبعات الأزمة الأوكرانية درس مستفاد لإدارة بايدن التي أعادت النظر في استراتيجية واشنطن في التعامل مع المنطقة العربية، ما سيعزز الأمن والاستقرار وسيساهم في تحقيق مشاريع التنمية في المنطقة.
*إعلامية وكاتبة بحرينية.